هذه تكملة لامتحان النساء المتقدم ذكره في قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) الآية . وبيان لتفصيل آثاره . فكأنه يقول : فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار وبينوا لهن شرائع الإسلام . وآية الامتحان عقب صلح الحديبية في شأن من هاجرن من مكة إلى المدينة بعد الصلح وهن : أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وسبيعة الأسلمية وأميمة بنت بشر وزينب بنت رسول الله A فلا صحة للأخبار التي تقول : إن الآية نزلت في فتح مكة ومنشؤها التخليط في الحوادث واشتباه المكرر بالأنف .
روى البخاري ومسلم عن عائشة : أن رسول الله A كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ) إلى قوله ( غفور رحيم ) فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله : قد بايعتك .
والمقتضى لهذه البيعة بين الامتحان أنهن دخلن في الإسلام بعد أن استقرت أحكام الدين في مدة سنين لم يشهدن فيها ما شهده الرجال من اتساع التشريع آنا فآنا ولهذا ابتدئت هذه البيعة بالنساء المهاجرات كما يؤذن به قوله ( إذا جاءك المؤمنات ) أي قدمن عليك من مكة فهي على وزان قوله ( يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) . قال ابن عطية : كانت هذه البيعة ثاني يوم الفتح على جبل الصفا .
وأجرى النبي A هذه البيعة على نساء الأنصار أيضا . روى البخاري " عن أم عطية قالت : بايعنا رسول الله A فقرأ علينا ( أن لا يشركن بالله شيئا ) الحديث .
وفيه " عن ابن عباس قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله A قبل الخطبة فنزل نبي الله فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال ( يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن ) حتى فرغ من الآية كلها . ثم قال حين فرغ : أنتن على ذلك فقالت امرأة منهن واحدة لم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله . قال : فتصدقن " .
A E وأجرى هذه المبايعة على الرجال أيضا . ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال " كنا عند النبي A فقال : أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرفوا وقرأ آية النساء " أي النازلة بخطاب النساء في سورة الممتحنة " فمن وفى منكم فأجره على الله . ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له . ومن أصاب منها شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شار عذبه وإن شاء غفر له " .
واستمر العمل بهذه المبايعة إلى يوم فتح مكة وقد أسلم أهلها رجالا ونساء فجلس ثاني يوم الفتح على الصفا يأخذ البيعة من الرجال على ما في هذه الآية وجلس عمر بن الخطاب يأخذ البيعة من النساء على ذلك وممن بايعته من النساء يومئذ هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وكبشة بنت رافع .
وجملة ( يبايعنك ) يجوز أن تكون حالا من ( المؤمنات ) على معنى : يردن المبايعة وهي المذكورة في هذه الآية . وجواب ( إذا ) ( فبايعهن ) .
ويجوز أن تكون جملة ( يبايعنك ) جواب ( إذا ) .
ومعنى ( إذا جاءك المؤمنات ) أي الداخلات في جماعة المؤمنين على الجملة والإجمال لا يعلمن أصول الإسلام وبينه بقوله ( يبايعنك ) فهو خير مراد به الأمر أي فليبايعنك وتكون جملة ( فبايعهن ) تفريعا لجملة ( يبايعنك ) وليبنى عليها قوله ( واستغفر لهن الله ) .
وقد شملت الآية التخلي عن خصال في الجاهلية وكانت السرقة فيهن أكثر منها في الرجال . قال الأعرابي لما ولدت زوجه بنتا : والله ما هي بنعم الولد بزها بكاء ونصرها سرقة .
والمراد بقتل الأولاد أمران : أحدهما الوأد الذي كان يفعله أهل الجاهلية ببناتهم وثانيهما إسقاط الأجنة وهو الإجهاض .
وأسند القتل إلى النساء وإن كان بعضه يفعله الرجال لأن النساء كن يرضين به أو يسكتن عليه .
والبهتان : الخبر المكذوب الذي لا شبهة لكاذبه فيه لأنه يبهت من ينقل عنه .
والافتراء : اختلاق الكذب أي لا يختلقن أخبارا بأشياء لم تقع .
وقوله ( بين أيديهن وأرجلهن ) يتعلق ب ( يأتين ) وهذا من الكلام الجامع لمعان كثيرة باختلاف محامله من حقيقة ومجاز وكناية فالبهتان حقيقته : الإخبار بالكذب وهو مصدر . ويطلق المصدر على اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق