اسم ( أهل الكتاب ) لقب في القرآن لليهود والنصارى الذين لم يتدينوا بالإسلام لأن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل إذ أضيف إليه ( أهل ) فلا يطلق على المسلمين : أهل الكتاب وإن كان لهم كتاب فمن صار مسلما من اليهود والنصارى لا يوصف بأنه من أهل الكتاب في اصطلاح القرآن ولذلك لما وصف عبد الله بن سلام في القرآن وصف بقوله ( ومن عنده علم الكتاب ) وقوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) فلما كان المتحدث عنهم آنفا صاروا مؤمنين بمحمد A فقد أنسلخ عنهم وصف أهل الكتاب فبقي الوصف بذلك خاصة باليهود والنصارى فلما دعا الله الذين اتبعوا المسيح إلى الإيمان برسوله محمد A ووعدهم بمضاعفة ثواب ذلك الإيمان أعلمهم أن إيمانهم يبطل ما ينتحله إتباع المسيحية بعد ذلك من الفضل والشرف لأنفسهم بدوامهم على متابعة عيسى عليه السلام فيغالطوا الناس بأنهم إن فاتهم فضل الإسلام لم يفتهم شيء من الفضل باتباع عيسى مع كونهم لم يغيروا دينهم .
وقد أفاد هذا المعنى قوله تعالى ( لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله ) .
قال الفخر : قال الواحدي : هذه آية مشكلة وليس للمفسرين كلام واضح في اتصالها بما قبلها اه . هل هي متصلة بقوله ( يؤتكم كفلين من رحمته ) الآية أو متصلة ( فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) إلى قوله ( والله غفور رحيم ) . يريد الواحدي أن اتصال الآية ما قبلها ينبني عليه معنى قوله تعالى ( لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله ) .
فاللام في قوله ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) يحتمل أن يكون تعليلية فيكون ما بعدها معلولا بما قبلها وعليه فحرف ( لا ) يجوز أن يكون زائدا للتأكيد والتقوية .
والمعلل هو ما يرج إلى فضل الله لا محالة وذلك ما تضمنه قوله ( يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ) أو قوله ( فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) إلى ( غفور رحيم ) .
وذهب جمهور المفسرين إلى جعل ( لا ) زائدة . وإن المعنى على الإثبات أي لأن يعلم وهو قول أبن عباس وقرأ ( ليعلم ) وقرأ أيضا ( لكي يعلم ) ( قراءته تفسير ) . وهذا قول الفراء والأخفش ودرج عليه الزمخشري في الكشاف وأبن عطية وأبن هشام في مغنى اللبيب وهو بناء على أن ( لا ) قد تقع زائدة وهو ما أثبته الأخفش ومنه قوله تعالى ( وما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني ) وقوله ( وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ) وقوله ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) ونحو ذلك وقوله ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) على أحد تأويلات وري أن العرب جعلتها حشوا في قول الشاعر أنشده أبو عمر بن العلاء : .
أبي جوده لا البخل واستعجلت به ... ( نعم ) من فتى لا يمنع الجود قائله وفي رواية بنصب ( البخل ) وأن العرب فسروا البيت بمعنى أبي جوده البخل .
والمعنى : على هذا الوجه أم المعلل هو تبليغ هذا الخبر إلى أهل الكتاب ليعلموا أن فضل الله أعطي غيرهم فلا يتبجحوا بأنهم على فضل لا ينقص عن فضل غيرهم إذ كان لغيرهم فضل وهو الموافق لتفسير مجاهد وقتادة .
وعندي : أنه لا يعطي معنى لأن إخبار القرآن بأن للمسلمين أجرين لا يصدق به أهل الكتاب فلا يستقر به علمهم بأنهم لا فضل له فكيف يعلل إخبار الله به بأنه يزيل علم أهل الكتاب بفضل أنفسهم فيعلمون أنهم لا فضل لهم .
وذهب أبو مسلم الأصفهاني وتبعه جماعة إلى أن ( لا ) نافية وقرره الفخر بأن ضمير ( يقدرون ) عائد إلى رسول الله A والذين آمنوا به " أي على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وأصله أن لا تقدروا " وإذا انتفى علم أهل الكتاب بأن الرسول A والمسلمين لا يقدرون على شيء من فضل الله ثبت ضد ذلك في علمهم أي كيف أن الرسول A والمسلمين يقدرون على فضل الله ويكون ( يقدرون ) مستعارا لمعنى : ينالون وأن الفضل بيد الله فهو الذي فضلهم فيكون ذلك كناية عن انتفاء الفضل عن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالرسول A .
ويرد على هذا التفسير ما ورد الذين قبله لأن علم أهل الكتاب لا يحصل بأخبار القرآن لأنهم يكذبون به .
A E