ومعنى إيتاء المؤمنين من أهل ملة الإسلام كفلين من الأجر : أن لهم مثل أجري من آمن من أهل الكتاب . ويشرح هذا حديث أبي موسى الأشعري عن النبي A في صحيح البخاري الذين فيه " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل لرجل استأجر إجراء يعملون له فعملت اليهود إلى نصف النهار وعملت النصارى من الظهر إلى العصر على قيراط ثم عمل المسلمون من العصر إلى الغروب على قيراطين قال فيه : واستكملوا أجر الفريقين كليهما " أي استكملوا مثل أجر الفريقين أي أخذوا ضعف كل فريق .
وتقوى الله تتعلق بالأعمال وبالاعتقاد وبعلم الشريعة وقد استدل أصحابنا على وجوب الاجتهاد للمتأهل إليه بقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .
وقوله ( اتقوا الله ) أمر لهم بما هو وسيلة ومقدمة للمقصود وهو الأمر بقوله ( وآمنوا برسوله ) .
ورتب على هذا الأمر ما هو جواب شرط محذوف وهو جملة ( يؤتكم كفلين ) الخ المجزوم في جواب الأمر أي يؤتكم جزاء في الآخرة وجزاء في الدنيا فجزاء الآخرة قوله ( يؤتكم كفلين من رحمته ) وقوله ( ويغفر لكم ) وجزاء الدنيا قوله ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) .
والكفل : بكسر الكاف وسكون الفاء : والنصيب . ؟ ؟ وأصله : الأجر المضاعف وهو معرب من الحبشية كما قال أبو موسى الأشعري أي يؤتكم أجرين عظيمين وكل أجر منهما هو ضعف الآخر مماثل له ؟ ؟ ؟ فلذلك ثني كفلين كما يقال : زوج لأحد المتقاربين هذا مثل قوله تعالى ( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) وقوله ( يضاف له العذاب ضعفين ) . وفي الحديث الصحيح أن رسول الله A " ثلاثة يوتون أجورهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي واتبعني وصدقني فله أجران " الحديث .
ويتعلق ( من رحمته ) ب ( يؤتكم ) و ( من ) ابتدائية مجازية أي ذلك من رحمة الله بكم وهذا في جانب النصارى معناه بإيمانهم بمحمد معناه لإيمانهم بمحمد وإيمانهم بعيسى من فضل الله وإكرامه وإلا فإن الإيمان بمحمد A واجب كأيمانهم بعيسى وهو متمم للإيمان بعيسى وإنما ضوعف أجرهم لما في النفوس من التعلق بما تدين به فيسعر عليها تركه وأما في جانب المسلمين فهو إكرام لهم لئلا يفوقهم بعض من آمن بمحمد A من النصارى .
ويجوز أن يكون ( من رحمته ) صفة ل ( كفلين ) وتكون ( من ) بيانية والكلام على حذف مضاف تقديره : وهو ثواب الجنة ونعيمها .
وقوله ( ويجعلون لكم نورا تمشون به ) تمثيل لحال القوم الطالبين التحصيل على رضى الله تعالى والفوز بالنعيم الخائفين من الوقوع في ضد ذلك بحالة قوم يمشون في طريق بليل يخشون الخطأ فيه فيعطون نورا يتربصون بالثنايا فيأمنون الضلال فيه . والمعنى : ويجعل لكم حالة كحالة نور تمشون به والباء للاستعانة مثل كتبت بالقلم .
والمعنى : وييسر لكم دلالة تهتدون بها إلى الحق .
وجميع أجزاء هذا التمثيل صالحة لتكون استعارات منفردة وهذا أبلغ أحوال التمثيل وقد عرف بالقرآن تشبيه الهدى بالنور والضلال بالظلمة والبرهان بالطريق وإعمال النظر بالمشي وشاع ذلك بعد القرآن في كلام أدباء عربية .
والمغفرة : جزاء على امتثالهم م أمروا به أي يغفر لكم ما فرط منكم من الكفر والضلال .
( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم [ 29 ] ) A E