ويجوز أن يكون الاستفهام للتقرير على النفي وفعل ( يأن ) مشتق من اسم جامد وهو الإني بفتح الهمزة وكسرها أي الوقت قال تعالى ( غير ناظرين إناه ) . وقريب من قوله ( ألم يإن ) قولهم : أما آن لك أن تفعل مثل ما ورد في حديث إسلام عمر بن الخطاب من قول النبي A له " أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم ) وفي خبر إسلام أبي ذر من أن علي بن أبي طالب وجده في المسجد الحرام وأراد أن يضيفه وقال له " أما آن للرجل أن يعرف منزله " يريد : أن يعرف منزلي الذي هو كمنزله . وهذا تلطف في عرض الاستضافة إلا أن فعل ( يإن ) مشتق من الإنى وهو فعل منقوص آخره ألف . وفعل : آن مشتق من الأين وهو الحين وهو فعل أجوف آخره نون .
فأصل : أنى أني واصل آن : آن وآل معنى الكلمتين واحد .
واللام للعلة أي ألم يإن لأجل الذين آمنوا الخشوع أي ألم يحق حضوره لأجلهم .
و ( أن تخشع ) فاعل ( يإن ) والخشوع : الاستكانة والتذلل .
و ( ذكر الله ) ما يذكرهم به النبي A أو هو الصلاة . و ( ما نزل من الحق ) القرآن قال تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) .
ويجوز أن يكون الوصفان للقرآن تشريفا له بأنه ذكر الله وتعريفا لنفعه بأنه نزل من عند الله وأنه الحق فيكون قوله ( وما نزل من الحق ) عطف وصف آخر للقرآن مثل قول الشاعر أنشده في الكشاف : .
" إلى الملك القرم وابن الهمام... البيت واللام في ( لذكر الله ) لام العلة أي لأجل ذكر الله .
ومعنى الخشوع لأجله : الخشوع المسبب على سماعه وهو الطاعة والامتثال .
وقرأ نافع وحفص عن عاصم ( وما نزل ) بتخفيف الزاي . وقرأه الباقون بتشديد الزاي على أن فاعل ( نزل ) معلوم من المقام أي الله .
و ( لا يكونوا ) قرأه الجمهور بياء الغائب وقرأه رويس عن يعقوب ( ولا تكونوا ) بتاء الخطاب .
و ( لا ) نافية على قراءة الجمهور والفعل المعمول ل ( أن ) المصدرية التي ذكرت قبله والتقدير : ألم يإن لهم أن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب . وعلى قراءة رويس عن يعقوب فتاء الخطاب الالتفات و ( لا ) نافية والفعل منصوب بالعطف كقراءة الجمهور أو ( لا ) ناهية والفعل مجزوم والعطف من عطف الجمل .
والمقصود التحذير إلا أنهم تلبسوا بذلك ولم يإن لهم الإقلاع عنه . والتحذير منصب إلى ما حدث لأهل الكتاب من قسوة القلوب بعد طول الأمد عليهم في مزاولة دينهم أي فليحذر الذين آمنوا من أن يكونوا مثلهم على حدثان عهدهم بالدين . وليس المقصود عذر الذين أوتوا الكتاب بطول الأمد عليهم لأن طول الأمد لا يكون سببا في التفريط فيما أطال فيه الأمد بل الأمر بالعكس ولا قصد تهوين حصوله للذين آمنوا بعد أن يطول الأمد لأن ذلك لا يتعلق به الغرض قبل طول الأمد وإنما المقصود النهي عن التشبيه بالذين أوتوا الكتاب في عدم خشوع قلوبهم ولكنه يفيد تحذير المؤمنين بعد أن يطول الزمان من أن يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب . ويستتبع ذلك الأنباء بأن مدة المسلمين تطول قريبا أو أكثر من مدة أهل الكتاب الذين كانوا قبل البعثة فإن القرآن موعظة للعصور والأجيال .
A E ويجوز أن تجعل ( لا ) حرف نهي وتعلق النهي بالغائب التفاتا أو المراد : أبلغهم أن لا يكونوا .
وفاء ( فطال عليهم الأمد ) لتفريع طول الأمد على قسوة القلوب من عدم الخشوع فهذا التفريع خارج عن التشبيه الذي في قوله ( كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) ولكنه تنبيه على عاقبة ذلك التشبيه تحذيرا من أن يصيبهم مثل ما أصاب الذين أوتوا الكتاب من قبل .
والأمد : الغاية من مكان أو زمان والمراد به هنا : المدة التي أوصوا بأن يحافظوا على اتباع شرائعهم فيها المغياة بمجيء الرسول A المبشر في الشرائع ( وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) .
والمعنى : أنهم نسوا ما أوصوا به فخالفوا أحكام شرائعهم ولم يخافوا عقاب الله يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا وصار ديدنا لهم رويدا رويدا حتى ضرئوا بذلك فقست قلوبهم أي تمردت على الاجتراء على تغيير أحكام الدين .
وجملة ( وكثير منهم فاسقون ) اعتراض في آخر الكلام