ويجوز أن يكون كلاما صادرا من جانب الله تعالى للمنافقين تأييسا لهم من الطمع في نوال حظ من نور المؤمنين فيكون الفاء من عطف التلقين عاطفة كلام أحد على كلام غيره لأجل اتحاد مكان المخاطبة على نحو قوله تعالى قال ( ومن ذريتي ) .
ويكون عطف ( ولا من الذين كفروا ) جمعا للفريقين في توبيخ وتنديم واحد لاتحادهما في الكفر .
وإقحام كلمة ( فاليوم ) لتذكيرهم بما كانوا يضمرونه في الدنيا حين ينفقون مع المؤمنين رياء وتقية . وهو ما حاكاه الله عنهم بقوله ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر ) .
وقرأ الجمهور ( لا يؤخذ ) بياء الغائب المذكر لأن تأنيث ( فدية ) غير حقيقي وقد فصل بين الفعل وفاعلو بالظرف فحصل مسوغان لترك اقتران الفعل بعلامة المؤنث . وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بمثناة فوقية جريا على تأنيث الفاعل في اللفظ والقراءتان سواء .
وكني ينفي أخذ الفدية عن تحقق جزاؤهم على الكفر وإلا فإنهم لم يبذلوا فدية ولا كان النفاق من أنواع الفدية ولكن الكلام جرى على الكناية لما هو مشهور من أن الأسير والجاني قد يتخلصان من المؤاخذة بفدية تبذل عنهما .
فعطف ( ولا من الذين كفروا ) قصد منه تعليل أن لا محيص لهم من عذاب الكفر مثل الذين كفروا أي الذين أعلنوا الكفر حتى كان حالة يعرفون بها . وهذا يقتضي أن المنافقين كانوا هم والكافرون في صعيد واحد عند أبواب جهنم ففيه احتراس من أن يتوهم الكافرون الصرحاء من ضمير ( لا يؤخذ منكم فدية ) إن ذلك حكم خاص بالمنافقين تعلقا بأقل طمع فليس ذكر ( ولا من الذين كفروا ) مجرد استطراد .
والمأوى : المكان الذي يؤوى إليه أي يصار إليه ويرجع وكني به عن الاستمرار والخلود .
وأكد ذلك بالصريح بجملة ( مأواكم النار هي مولاكم ) ! أي ترجعون إليها كما يرجع المستنصر إلى مولاه لينصره أو يفادي عنه فاستعير المولى للمقر على طريقة التهكم .
ويجوز مع ذلك أن يجعل المولى اسم مكان الولي وهو القرب والدنو أي مقركم كقول لبيد : .
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها أي مكان المخافة ومقرها .
و ( بئس المصير ) تذييل يشمل جميع ما يصيرون إليه من العذاب . وقد يحصل العلم للمؤمنين بما أجابوا به أهل النفاق لأنهم صاروا إلى دار الحقائق .
( ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [ 16 ] ) A E قد علم من صدر تفسير هذه السورة أن هذه الآية نزلت بمكة سنة أربع أو خمس من البعثة رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) إلى ( وكثير منهم فاسقون ) إلا أربع سنين .
والمقصود من ( الذين آمنوا ) : إما بعض منهم ربما كانوا مقصرين عن جمهور المؤمنين يومئذ بمكة فأراد الله إيقاظ قلوبهم بهذا الكلام المجمل على عادة القرآن وأقوال الرسول A في التعريض مثل قوله " ما بال أقوام يفعلون كذا " وقوله تعالى ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يضنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) . وليس ما قاله ابن مسعود مقتضيا أن مثله من أولئك الذين ذكرهم الله بهذه الآية ولكنه يخشى منهم حذرا وحيطة .
فالمراد ( بالذين آمنوا ) المؤمنون حقا من يظهرون الإيمان من المنافقين إذ لم يكن في المسلمين بمكة منافقون ولا كان داع إلى نفاق بعضهم . وعن ابن مسعود " لما نزلت جعل بعضنا ينظر إلى بعض ويقول : ما أحدثنا " .
وإما أن يكون تحريضا للمؤمنين على مراقبة ذلك والحذر من التقصير .
والهمزة في ( ألم يأن ) للاستفهام وهو استفهام مستعمل في الإنكار أي إنكار نفي اقتراب وقت فاعل الفعل