وهذا ينشأ عن الكذب والخداع والاستهزاء والطعن في المسلمين قال تعالى ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) .
الثاني : التربص والتربص : انتظار شيء وتقدم في قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) الآية .
ويتعدى فعله إلى المفعول بنفسه ويتعلق به ما زاد على المفعول بالباء . وحذف هنا مفعوله ومتعلقه ليشمل عدة الأمور التي ينتظرها المنافقون في شأن المؤمنين وهي كثيرة مرجعها إلى أذى المؤمنين والإضرار بهم فيتربصون هزيمة المسلمين في الغزوات ونحوها من الأحداث قال تعالى في بعضهم ( ويتربص بكم الدوائر ) ويتربصون انقسام المؤمنين فقد قالوا لفريق من الأنصار يندمونهم على من قتل من قومهم في بعض الغزوات ( لو أطاعونا ما قتلوا ) .
الثالث : الارتياب في الدين وهو الشك في الاعتماد على أهل الإسلام أو على الكافرين وينشأ عنه القعود عن الجهاد قال تعالى ( فهم في ريبهم يترددون ) ولذلك كانوا لا يؤمنون بالآجال وقالوا لإخوانهم ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) .
الرابع : الغرور بالأماني وهي جمع أمنية وهي اسم التمني . والمراد بها ما كانوا يمنون به أنفسهم من أنهم على الحق وأن انتصار المؤمنين عرض زائل وأن الحوادث تجري على رغبتهم وهواهم ومن ذلك قولهم ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) وقولهم ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) ولذلك يحسبون أن العاقبة لهم ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) . وقد بينت الخصال التي تتولد على النفاق في تفسير سورة البقرة فطبق عليه هذه الأصول الأربعة وألحق فروع بعضها ببعض .
والمقصود من الغاية ب ( حتى جاء أمر الله ) التنديد عليهم بأنهم لم يرعووا عن غيهم مع طول مدة أعمارهم وتعاقب السنين عليهم وهم لم يتدبروا في العواقب كما قال تعالى ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) وإسناد التغيير الأماني مجاز عقلي لأن الأماني والطمع في حصولها سبب غرورهم وملابسه .
ومجيء أمر الله هو الموت أي حتى يتم على تلك الحالة السيئة ولم تقلعوا عنها بالإيمان الحق .
والغاية معترضة بين الجملتين المتعاطفتين ومن حق المؤمن أن يعتبر بما تضمنه قوله تعالى ( وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله ) الآية فلا يماطل التوبة ولا يقول : غدا غدا .
A E وجملة ( وغركم بالله الغرور ) عطف على جملة ( وغرتكم الأماني ) تحقيرا لغرورهم وأمانيهم بأنها من كيد الشيطان ليزدادوا حسرة حينئذ .
والغرور : بفتح الغين مبالغة في المتصف بالتغرير والمراد به الشيطان أي بإلقائه خواطر النفاق في نفوسهم بتلوينه بلون الحق وإرضاء دين الكفر الذي يزعمون أنه رضي الله ( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) .
ويجوز أن يراد جنس الغارين أي وغركم بالله أئمة الكفر وقادة النفاق .
والتغرير : إظهار الضار في صورة النافع بتمويه وسفسطة .
والباء في قوله ( بالله ) للسببية أو للآلة المجازية أي جعل الشيطان شأن الله سببا لغروركم بأن خيل إليكم أن الحفاظ على الكفر مرضي لله تعالى وأن النفاق حافظتم به على دينكم وحافظتم به نفوسكم وكرامة قومكم واطلعتم به على أحوال عدوكم .
وهذا كله معلوم عندهم قد شاهدوا دلائله فمن أجل ذلك فرعوا لهم عليه قولهم ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ) قطعا لطمعهم أن يكونوا مع المؤمنين يومئذ كما كانوا معهم في الحياة .
( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير [ 15 ] ) يجوز أن يكون هذا الكلام من تتمة خطاب المؤمنين للمنافقين استمرار في التوبيخ والتنديم . وهذا ما جرى عليه المفسرون فموقع فاء التفريع بين والعلم للمؤمنين بأن لا تؤخذ فدية من المنافقين والذين كفروا حاصل مما يسمعون في ذلك اليوم من الأقضية الإلهية بين الخلق بحيث صار معلوما لأهل المحشر أو هو علم متقرر في نفوسهم مما علموه في الدنيا من أخبار القرآن وكلام النبي A وذلك موجب عطف ( ولا من الذين كفروا ) تعبيرا عما علموه بأسره وهو عطف معترض جرته المناسبة