مناسبة ذكره هذه الجملة أن تقدير الليل والنهار وتعاقبهما من التصرفات الإلهية المشاهدة في أحوال السماوات والأرض وملابسات أحوال الإنسان فهذه الجملة بدل اشتمال من جملة ( له ملك السماوات والأرض ) .
وهو أيضا مناسب لمضمون جملة ( وإلى الله ترجع الأمور ) تذكير للمشركين بأن المتصرف في سبب الفناء هو الله تعالى فأنهم يعتقدون أن الليل والنهار هما اللذان يفنيان الناس قال الأعشى : .
ألم تروا إرما وعادا ... أفناهما الليل والنهار وحكى الله عنهم قولهم ( وما يهلكنا إلا الدهر ) فلما قال ( له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ) أبطل بعده اعتقاد أهل الشرك إن للزمان الذي هو تعاقب الليل والنهار والمعبر عنه بالدهر تصرفا فيهم وهذا معنى اسمه تعالى ( المدبر ) .
( وهو عليم بذات الصدور [ 6 ] ) لما ذكر تصرف الله في الليل وكان الليل وقت إخفاء الأشياء أعقب ذكره بأن الله عليم بأخفى الخفايا وهي النوايا فإنها مع كونها معاني غائبة عن الحواس كانت مكنونة في ظلمة باطن الإنسان فلا يطلع عليها عالم إلا الله تعالى وهذا كقوله تعالى ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ) وقوله ( إلا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
( ذات الصدور ) : ما في خواطر الناس من النوايا ف ( ذات ) هنا مؤنث ( ذو ) بمعنى صاحبه .
والصحبة : هنا بمعنى الملازمة .
A E ولما أريد بالمفرد الجنس أضيف إلى ( جمع ) وتقدم ( إنه عليم بذات الصدور ) في سورة الأنفال . وقد أشتمل هذا المقدار في أول السورة إلى هنا على معاني ست عشر صفة من أسماء الله الحسنى : وهي : الله العزيز الحكيم الملك المحيي المميت القدير الأول الآخر الظاهر الباطن العليم الخالق البصير الواحد المدبر .
وعن أبن عباس أن اسم الله الأعظم في ست آيات من أول سورة الحديد فهو يعنى مجموع هذه الأسماء . وأعلم أن ما تقدم من أول السورة إلى هنا يرجح أنه مكي .
( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير [ 7 ] ) استئناف وقع موقع النتيجة بعد الاستدلال فإن أول السورة قرر خضوع الكائنات إلى الله تعالى وأنه تعالى المتصرف فيها بالإيجاد والإعدام وغير ذلك فهو القدير عليها وأنه عليم بأحوالهم مطلع على ما تضمره ضمائرهم وأنهم صائرون إليه فمحاسبهم فلا جرم تهيأ المقام لإبلاغهم التذكير بالإيمان به إيمانا لا يشوبه إشراك والإيمان برسوله A إذ قد تبين صدقه بالدلائل الماضية التي دلت على صحة ما أخبرهم به مما كان محل ارتيابهم وتكذيبهم كما أشار إليه قوله ( والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ) .
فذلك وجه عطف ( ورسوله ) على متعلق الإيمان مع أن الآيات السابقة ما ذكرت إلا دلائل صفات الله دون الرسول A .
فالخطاب ب ( آمنوا ) للمشركين والآية مكية حسب ما روي في إسلام عمر وهو الذي يلائم اتصال قوله ( وما لكم لا تؤمنون بالله ) الخ بها .
والمراد بالإنفاق المأمور به : الإنفاق الذي يدعوا إليه الإيمان بعد حصول الإيمان وهو الإنفاق على الفقير وتخصيص الإنفاق بالذكر تنويه بشأنه وقد كان أهل الجاهلية لا ينفقون إلا في اللذات والمفاخرة والمقامرة ومعاقرة الخمر وقد وصفهم القرآن بذلك في مواضع كثيرة كقوله ( إن كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) وقوله ( بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما ) وقوله ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) إلى آخر السورة .
وقيل : نزلت في غزوة تبوك " يعني الإنفاق لتجهيز جيش العسرة " قال ابن عطية عن الضحاك فتكون الآية مدنية ويكون قوله ( آمنوا ) أمرا بالدوام على الإيمان كقوله ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله )