موقع هذه الجملة استئناف كموقع جملة ( هو الأول والآخر ) الآية فهذا استئناف ثان مفيد الاستدلال على انفراده تعالى بالإلهية ليقلعوا عن الإشراك به . ويفيد أيضا بيانيا لمضمون جملة ( له ملك السماوات والأرض ) وجملة ( وهو على كل شيء قدير ) فإن الذي خلق السماوات والأرض قادر على عظيم الإبداع .
والاستواء على العرش تمثيل للملك الذي في قوله ( له ملك السماوات والأرض ) .
وهذا معنى اسمه تعالى ( الخالق ) وتقدم قريب من هذه الآية في أوائل سورة الأعراف .
( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) استئناف لتقرير عموم علمه تعالى بكل شيء فكان بيان جملة ( وهو على كل شيء قدير ) وجملة ( وهو بكل شيء عليم ) جاريا على طريقة النشر للف على الترتيب وتقدم نظير هذه الآية في سورة سبأ فانظر ذلك .
( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير [ 4 ] ) عطف معنى خاص على معنى شمله وغيره لقصد الاهتمام بالمعطوف .
والمعية تمثيل كنائي عن العلم بجميع أحواله .
و ( أينما ) ظرف مركب من ( أين ) وهي اسم للمكان و ( ما ) الزائدة للدلالة على تعميم الأمكنة .
وجملة ( والله بما تعملون بصير ) تكملة لمضمون ( وهو معكم أينما كنتم ) وكان حقها أن لا تعطف وإنما عطفت ترجيحا لجانب ما تحتوي عليه من الخبر عن هذه الصفة .
( له ملك السماوات والأرض ) A E هذا تأكيد لنظيره الذي في أول هذه السورة كرر ليبنى عليه قوله ( وإلى الله ترجع الأمور ) فكان ذكره في أول السورة مبنيا عليه التصرف في الموجودات القابلة للحياة والموت في الدنيا وكان ذكره هنا مبنيا عليه أن أمور الموجودات كلها ترجع إلى تصرفه .
وتقديم المسند لقصر الإلهية عليه تعالى فيفيد صفة الواحد .
( وإلى الله ترجع الأمور [ 5 ] ) عطف على ( له ملك السماوات والأرض ) عطف الخاص من وجه على العام منه فيما يتعلق بالأمور الجارية في الدنيا وعطف المغاير فيما يتعلق بالأمور التي تجري يوم القيامة على ما سيتضح في تفسير معنى ( الأمور ) .
فالأمور : جمع أمر واشتهر في اللغة أن الأمر اسم للشأن والحادث فيعم الأفعال والأقوال .
وقال ابن عطية : " الأمور هنا : جميع الموجودات لأن الأمر والشيء والموجود أسماء شائعة في جميع الموجودات : أعراضها وجواهرها " اه . ولم أره لغيره . وفي المحصول وشرحه في أصول الفقه ومن تبعه من كتب أصول الفقه أن ( أمر ) مشتركة بين الفعل والقول والشأن والشيء . ولم أر عزو ذلك إلى معروف ولا أتوا له بمثال سالم عن النظر ولا أحسب أن ذلك من اللغة .
فإن أخذنا بالمشهور في اللغة كان المعنى ترجع أفعال الناس إلى الله أي ترجع في الحشر والمراد : رجوع أهلها للجزاء على أعمالهم إذ لا يتعلق الرجوع بحقائقها فعطف قوله ( وإلى الله ترجع الأمور ) تتميم لجملة ( له ملك السماوات والأرض ) أي له ملك العوالم في الدنيا وله التصرف في أعمال العقلاء من أهلها في الآخرة .
وإذا أخذنا بشمول اسم الأمور للذوات كان مفيدا لإثبات البعث أي الذوات التي كانت في الدنيا تصير إلى الله يوم القيامة فيجازيها على أعمالها .
وعلى كلا الاحتمالين فمفاده مفاد اسمه ( المهيمن ) .
وتعريف الجمع في ( الأمور ) من صيغ العموم .
وتقديم المجرور على متعلقه للاهتمام لا للقصر إذ لا مقتضى للقصر الحقيقي ولا داعي للقصر الإضافي إذ لا يوجد من الكفار من يثبت البعث ولا من زعموا أن الناس يصيرون في تصرف غير الله .
والرجوع : مستعار للكون في مكان غير المكان الذي كان فيه دون سبق مغادرة عن هذا المكان .
وإظهار اسم الجلالة دون أن يقول : وإليه ترجع الأمور لتكون الجملة مستقلة بما دلت عليه فتكون كالمثل صالحة للتسيير .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر ( ترجع ) بضم التاء وفتح الجيم على معنى يرجعها مرجع وهو الله قصرا . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف ( ترجع ) بفتح التاء وكسر الجيم أي ترجع من تلقاء أنفسها لأنها مسخرة لذلك في آجالها .
( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )