ووجه الشبه بالياقوت والمرجان في لون الحمرة المحمودة, أي حمرة الخدود كما يشبه الخد بالورد, ويطلق الأحمر على الأبيض فمنه حديث " بعثت إلى الأحمر والأسود " , وقال عبد بني الحساس : .
فلو كنت وردا لونه لعشقتني ... ولكن ربي شانني بسواديا ( فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 59 ] ) كرر ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فيما علمت سابقا .
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان [ 60 ] ) تذييل للجمل المبدوءة بقوله ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) , أي لأنهم أحسنوا فجازاهم ربهم بالإحسان .
والإحسان الأول : الفعل الحسن, والإحسان الثاني : إعطاء الحسن وهو الخير, فالأول من قولهم : أحسنوا في كذا, والثاني من قولهم : أحسن إلى فلان .
والاستفهام مستعمل في النفي, ولذلك عقب بالاستثناء فأفاد حصر مجازاة الإحسان في أنها إحسان, وهذا الحصر إخبار عن كونه الجزاء الحق ومقتضى الحكمة والعدل, وإلا فقد يتخلف ذلك لدى الظالمين, قال تعالى ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) وقال ( فلما أتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ) .
وعلم منه أن جزاء الإساءة السوء قال تعالى ( جزاء وفاقا ) .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 61 ] ) القول فيه مثل القول في نظائره .
A E ( ومن دونهما جنتان [ 62 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 63 ] مدهامتان [ 64 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 65 ] فيهما عينان نضاختان [ 66 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 67 ] فيهما فاكهة ونخل ورمان [ 68 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 69 ] ) عطف على قوله ( جنتان ) أي ومن دون تينك الجنتين جنتان أي لمن خاف مقام ربه .
ومعنى ( من دونهما ) يحتمل أن ( دون ) بمعنى ( غير ) أي ولمن خاف مقام ربه ربع جنتان وجنتان أخريان غيرهما كقوله تعالى ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) . ووصف ما في هاتين الجنتين بما يقارب ما وصف به ما في الجنتين الأوليين وصفا سلك فيه مسلك الإطناب أيضا لبيان حسنهما ترغيبا في السعي لنيلهما بتقوى الله تعالى فذلك موجب تكرير بعض الأوصاف أو ما يقارب من التكرير بالمترادفات .
ويكون لكل الجنات الأربع حور مقصورات لا ينتقلن من قصورهن ويجوز أن تكون ( دون ) بمعنى أقل أي لنزول المرتبة أي ولمن خاف مقام ربع جنتان أقل من الأوليين فيقتضي ذلك من هاتين الجنتين لطائفة أخرى لمن خاف مقام ربهم هم أقل من الأوليين في درجة مخافة الله تعالى .
ولعل هاتين الجنتين لأصحاب اليمين الذين ورد ذكرهم في سورة الواقعة والجنتين المذكورتين قبلها في قوله ( جنتان... ذواتا أفنان ) إلى آخر الوصف جنتان سابقين الوارد ذكرهم قوله في سورة الواقعة ( والسابقون السابقون ) الآيات .
و ( مدهامتان ) وصف مشتق من الدهنة بضم الدال وهي لون السواد . ووصف الجنتين بالسواد مبالغة في شدة خضرة أشجارهما حتى تكونا أشجارها وقوة خضرتها كالسوداوين لأن الشجر إذا كان ريان اشتدت خضرة أوراقه حتى تقرب من السواد وقد أخذ هذا المعنى أبو تمام وركب عليه فقال : .
يا صاحبي تقصيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصور .
تريا نهارا مشمسا قد شابه ... زهر الربى فكأنما هو مقمر و ( نضاختان ) : فوارتان بالماء والنضخ بخاء معجبة في آخره أقوى من النضح بالحاء المهملة الذي هو الرش .
وقد وصف العينان هنا بغير ما وصف به العينان بالجنتين المذكورتين فقيل : هما صنفان مختلفان في أوصاف الحسن يشير اختلافهما إلى أن هاتين الجنتين دون الأولين في المحاسن ولذلك جاء هنا ( فيها فاكهة ونخل ورمان ) وجاء فيها تقدم ( فيها من كل فاكهة زوجان ) . وقيل : الوصفان سواء وعليه فالمخالفة بين الصنفين من الأوصاف تفنن .
وعطف ( ونخل ورمان ) على ( فاكهة ) من باب عطف الجزئي على الكلي تنويها ببعض أفراد الجنتين كما قال تعالى ( وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل ) في سورة البقرة .
وجاءت جمل ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) معترضات بين ( جنتان ) وصفاتها اعتراضا للازدياد من تكرير التقرير والتوبيخ لمن حرموا من تلك الجنات