والبطائن : جمع بطانة بكسر الباء وهي مشتقة من البطن ضد الظهر من كل شيء, وهو هنا مجاز عن الأسفل . يقال للجهة السفلى : بطن, وللجهة العليا ظهر, فيقال : بطنت ثوبي بآخر إذا جعل تحت ثوبه آخر, فبطانة الثوب داخله وما لا يبدو منه, وضد البطانة الظهارة بكسر الظاء, ومن كلامهم : أفرشني ظهر أمره وبطنه, أي علانيته وسره, شبهت العلانية بظهر الفراش والسر ببطن الفراش وهما الظهارة والبطانة, ولذلك اتبع هذا التشبيه باستعارة فعل : أفرشني . فالبطانة : هي الثوب الذي يجعل على الفراش . والظهارة : الثوب الذي يجعل فوق البطانة ليظهر لرؤية الداخل للبيت فتكون الظهارة أحسن من البطانة في الفراش الواحد .
والعرب كانوا يجعلون الفراش حشية, أي شيئا محشوا بصوف أو قطن أو ليف ليكون أوثر للجنب, قال عنترة يصف تنعم عبلة : .
تمسي وتصبح فوق ظهر حشية ... وأبيت فوق سراة أدهم ملجم فإذا وضعوا على الحشية ثوبا أو خاطوها بثوب فهو البطانة, وإذا غطوا ذلك بثوب أحسن منه فهو الظهارة .
فالمعنى هنا : أن بطائن فرش الجنة من إستبرق فلا تسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك, ولا ثوب من الثياب المعروفة عند الناس في الدنيا أنفس من الإستبرق البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش .
A E والإستبرق : صنف رفيع من الديباج الغليظ . والديباج : نسيج غليظ من حرير والإستبرق ينسج بخيوط الذهب . قال الفخر : وهو معرب عن الفارسية عن كلمة " استبرك " بكاف في آخره علامة تصغير " استبز " بمعنى ثخين, وقد تقدم في سورة الكهف, فأبدلوا الكاف قافا خشية اشتباه الكاف بكاف الخطاب, والذي في القاموس : الإستبرق : الديباج الغليظ معرب " أستروه " , وقد تبين أن الإستبرق : صنف من الديباج, والديباج : ثوب منسوج من الحرير منقوش وهو أجود أنواع الثياب .
ومن ( جنى الجنتين ) : ما يجنى من ثمارهما, وهو بفتح الجيم ما يقطف من الثمر . والمعنى : أن ثمر الجنة دان منهم وهم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 55 ] ) وهو مثل نظائره .
( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس ولا جان [ 56 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 57 ] كأنهن الياقوت والمرجان [ 58 ] ) ضمير ( فيهن ) عائد إلى فرش وهو سبب تأخير نعم أهل الجنة بلذة التأنس بالنساء عن ما في الجنات ون الأفنان والعيون والفواكه والفرش, ليكون ذكر الفرش مناسبا للانتقال إلى الأوانس في تلك الفرش وليجيء هذا الضمير مفيدا معنى كثيرا من لفظ قليل, وذلك من خصائص الترتيب من هذا التركيب .
ف ( قاصرات الطرف ) كائنة في الجنة وكائنة على الفرش مع أزواجهن قال تعالى ( وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن إبكارا ) الآية .
و ( قاصرات الطرف ) صفة لموصوف محذوف تقديره نساء, وشاع المدح بهذا الوصف في الكلام حتى نزل منزلة الاسم, ف ( قاصرات الطرف ) نساء في نظرهن مثل القصور والغض خلقة فيهن, وهذا نظير ما يقول الشعراء من المولدين مراض العيون, أي مثل المراض خلقة . والقصور : مثل الغض من صفات عيون المها والظباء, قال كعب بن زهير : .
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول أي : كغضيض الطرف وهو الظبي .
والطمث بفتح الطاء وسكون الميم مسيس الأنثى البكر, أي من أبكار . وعبر عن البكارة ب ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) إطنابا في التحسين, وقد جاء في الآية الأخرى ( فجعلناهن إبكارا ) . وهؤلاء هن نساء الجنة لا أزواج المؤمنين اللآئي كن لهم في الدنيا لأنهن قد يكن طمثهم أزواج فإن الزوجة في الجنة تكون لآخر من تزوجها في الدنيا .
وقرأ الجمهور ( يطمثهن ) هنا, وفي نظيره الآتي بكسر الميم . وقرأه الدوري عن الكسائي بضم الميم وهما لغتان في مضارع طمث . ونقل عن الكسائي التخيير بين الضم والكسر .
وقوله ( إنس قبلهم ) أي لم يطمثهن أحد قبلهم, وقوله ( ولا جان ) تتميم واحتراس وهو إطناب دعا إليه أن الجنة دار ثواب لصالح الإنس والجن فلما ذكر ( إنس ) نشأ توهم أن يمسهن جن فدفع ذلك التوهم بهذا الاحتراس .
وجملة ( كأنهن الياقوت والمرجان ) نعت أو حال من ( قاصرات الطرف )