( فيهن خيرات حسان [ 70 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 71 ] حور مقصورات في الخيام [ 72 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 73 ] لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 74 ] ) ضمير ( فيهن ) عائد إلى الجنات الأربع الجنتين الأوليين والجنتين اللتين من دونها فيجوز أن يكون لصاحب الجنتين الأوليين جنتان أخريان فصارت له أربع جنات . ويجوز أن يكون توزيعا على من خافوا ربهم كما تقدم .
و ( خيرات ) صفة لمحذوف يناسب صيغة الوصف أي نساء خيرات وخيرات مخفف من خيرات بتشديد الياء مؤنث خير وهو المختض بأن صفته الخير ضد الشر . وخفف في الآية طلبا لخفة اللفظ مع السلامة مع اللبس بما اتبع به ومن وصف ( حسان ) الذي هو جمع حسناء كما خفف هين ولين في قول الشاعر : .
" هينون لينون ومعنى ( خيرات ) أنهن فاضلات النفس كرائم الأخلاق .
ومعنى حسان : أنهم حسان الخلق أي صفات الذوات .
و ( حور ) بدل من ( خيرات ) . الحور : : جمع حوراء وهي ذات الحور بفتح الواو وهو وصف مركب من مجموع شدة بياض أبيض العين وشدة سواد أسودها وهو من محاسن النساء وتقد عند قوله تعالى ( وزوجانكم بحور عين ) في سورة الدخان .
ووصف نساء الجنتين الأوليين ب ( قاصرات الطرف ) . ووصف نساء الجنات الأربع بأنهن ( حور مقصورات ) في الخيام فعلم أن الصفات الثابتة لنساء الجنتين واحدة .
A E والمقصورات : اللاء قصرت على أزواجهن لا يعدون الأنس من أزواجهن وهو من صفات الترف في نساء الدنيا فهن اللاء لا يحتجن إلى مغادرة بيوتهن بخدمة أو ورد أو اقتطاف ثمار أي هن مخدومات مكرومات كما قال أبو قيس بن الأسلت : ويكرمها جاراتها فيزرنها وتعتل عن إتيانهن فتعذر والخيام : جمع خيمة وهي البيت وأكثر ما تقال على البيت من أدم أو شعر تقام على العمد وقد تطلق على العمد وقد تطلق على بيت البناء .
واعتراض بجملة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) بين البدل والمبدل منه وبين الصفتين لقصد التكرير في كل مكان يقتضيه .
وتقد القول في ( لم يطمئهن إنس قبلهن ولا جان ) آنفا .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 75 ] ) تكرير في آخر الأوصاف لزيادة التقرير والتوبيخ .
( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [ 76 ] ) و ( متكئين ) : حال من ( ولمن خاف مقام ربه ) كررت بدون عطف لأنها في مقام تعداد النعم وهو مقام يقتضي التكرير استئنافا .
والرفرف : ضرب من البسط وهو اسم جمع رفرفة وهو ما يبسط على الفراش لينام عليه وهي تنسج على شبه الرياض بالبسط العبقرية في قوله : .
حتى كأن رياض القف ألبسها ... من وشي عبقر تجليل وتنجيد فوصفها في الآية بأنها ( خضر ) وصف كاشف لاستحضار اللون الأخضر لأنه يسر الناظر .
وكانت الثياب الخضر عزيزة وهي لباس الملوك والكبراء وقال النابغة : .
يصونون أجسادا قديما نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب وكانت الثياب مصبوغة بالألوان الثابتة التي لا يزيلها الغسل نادرا لقلة الأصباغ الثابتة ولا تكاد تعدل أخضر والأحمر يسمى الأرجواني .
وأما المتداول من أصباغ الثياب عند العرب فهو ما صبغ بالورس والزعفران فيكون اصفر وما عدا ذلك فإنما لونه لون ما ينسج منه من وصف الغنم أبيض أو أسود أو من وبر أو من كتان أبيض أو كان من شعر المعز الأسود .
و ( حسان ) : جمع حسناء وهو صفة ل ( رفرف ) إذ هو اسم جمع .
وعبقري : وصفة لما كان فائقا في صنفه عزيز الموجود وهو نسبة إلى عبقر بفتح فسكون ففتح اسم بلاد الجن في معتقد العرب فنسبوا إليه كل ما تجاوز العادة في الإتقان والحسن حتى كأنه ليس من الأصناف المعروفة في ارض البشر قال زهير : .
بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا ويستعلوا فشاع ذلك فصار العبقري وصفا للفائق في صنفه كما قال النبي A فيما حكاه من رؤيا القليب الذي استسقى منه ثم أخذها " أي الذنوب " عمر فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه .
وإلى هذا أشار المعري بقوله : .
وقد كان أرباب الفصاحة كلما ... رأوا حسنا عدوه من صنعة الجن فضربه القرآن مثلا لما هو مألوف عند العرب في إطلاقه