والمؤتفكة صفة لموصوف محذوف يدل عليه اشتقاق الوصف كما سيأتي, والتقدير : القرى المؤتفكة, وهي قرى قوم لوط الأربع وهي " سدوم " و " عمورة " و " آدمة " و " صبوييم " . ووصفت في سورة براءة بالمؤتفكات لأن وصف جمع المؤنث يجوز أن يجمع وأن يكون بصيغة المفرد المؤنث . وقد صار هذا الوصف غالبا عليها بالغلبة .
وذكرت القرى باعتبار ما فيها من السكان تفننا ومراعاة للفواصل .
ويجوز أن تكون المؤتفكة هنا وصفا للأمة, أي لأمة لوط ليكون نظيرا لذكر عاد وثمود وقوم نوح كما في قوله تعالى ( وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة ) فس يورة الحاقة . والائتفاك : الانقلاب, يقال : أفكها فاتفكت . والمعنى : التي خسف بها فجعل عاليها سافلها, وقد تقدم ذكرها في سورة براءة .
وانتصب ( المؤتفكة ) مفعول ( أهوى ) أي أسقط أي جعلها هاوية .
والإهواء : الإسقاط, يقال : أهواه فهوى, ومعنى ذلك : أنه رفعها في الجو ثم سقطت أو أسقطها في باطن الأرض وذلك من أثر زلازل وانفجارات أرضية بركانية .
ولكون المؤتفكة علما انتفى أن يكون بين ( المؤتفكة ) و ( أهوى ) تكرير . وتقديم المفعول للاهتمام بعبرة انقلابها .
وغشاها : غطاها وأصابها من أعلى .
و ( ما غشى ) فاعل ( غشاها ) , و ( ما ) موصولة, وجيء بصلاتها من مادة وصيغة الفعل الذي أسند إليها, وذلك لا يفيد خبرا جديدا زائدا على مفاد الفعل .
A E والمقصود منه التهويل كأن المتكلم أراد أن يبين بالموصول والصلة وصف فاعل الفعل فلم يجد لبيانه أكثر من إعادة الفعل إذ لا يستطاع وصفه . والذي غشاها هو مطر من الحجارة المحماة, وهي حجارة بركانية قذفت من فوهات كالآبار كانت في بلادهم ولم تكن ملتهبة من قبل قال تعالى ( ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء ) وقال ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) . وفاضت عليها مياه غمرت بلادهم فأصبحت بحرا ميتا .
وأفاد العطف بفاء التعقيب في قوله ( فغشاها ) إن ذلك كان بعقب أهوائها .
( فبأي آلاء ربك تتمارى [ 55 ] ) تفريع فذلكة لما ذكر من أول السورة : مما يختص بالنبي A من ذلك كقوله ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) إلى قوله ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) . ومما يشمله ويشمل غيره من قوله ( وأنه هو أضحك وأبكى ) إلى قوله ( هو رب الشعرى ) فإن ذلك خليط من نعم وضدها على نوع الإنسان وفي مجموعها نعمة تعليم الرسول A وأمته بمنافع الاعتبار بصنع الله . ثم من قوله ( وأنه أهلك عادا ) إلى هنا . فتلك نقم من الضالين والظالمين لنصر رسل الله, وذلك نعمة على جميع الرسل ونعمة خاصة بالرسول A وهي بشارته بأن الله سينصره, فجميع ما عدد من النعم على أقوام والنقم عن آخرين هو نعم محضة للرسول A وللمؤمنين .
و ( أي ) اسم استفهام يطلب به تمييز متشارك في أمر يعم بما يميز البعض عم البقية من حال يختص به مستعمل هنا في التسوية كناية عم تساوي ما عدد من الأمور في أنها نعم على الرسول A إذ ليس لواحد من هذه المعدودات نقص عن نظائره في النعمة كقول فاطمة بنت الخرشب " وقد سئلت : أي بنيك أفضل " ثكلتهم إن كنت أدري أيهما أفضل " , أي إن كنت أدري جواب السؤال, وكقول الأعشى : .
باشجع أخاذ على الدهر حكمه ... فمن أي ما تأتي الحوادث أفرق والمقصود من هذا الاستفهام تذكير النبي A بهذه النعم .
فالمعنى أنك لا تحصل لك مرية في واحدة من آلاء ربك فإنها سواء في الإنعام, والخطاب بقوله ( ربك ) الأظهر أنه للنبي A وهو مناسب لذكر الآلاء والموافق لإضافة ( رب ) إلى ضمير المفرد المخاطب في عرف القرآن .
وجوزوا أن يكون الخطاب في قوله ( فبأي آلاء ربك ) لغير معين من الناس, أي المكذبين أي باعتبار أنه لا يخلو شيء مما عدد سابقا عن نعمة لبعض الناس أو باعتبار عدم تخصيص الآلاء بما سبق ذكره بل المراد جنس الآلاء كما في قوله تعالى ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
والآلاء : النعم, وهو جمع مفرده : إلى, بكسر الهمزة وبفتحها مع فتح اللام مقصورا, ويقال : إلى, وألي, بسكون اللام فيهما وآخره ياء متحركة, ويقال : ألو, بهمز مفتوحة بعدها لام ساكنة وآخره واو متحركة مثل : دلو