ومنها أن يكون بعض القصة المذكور في موضع مناسبا للحالة المقصودة من سامعيها ومن أجل ذلك تجد ذكرا لبعض القصة في موضع وتجد ذكرا لبعض آخر منها في موضع آخر لأن فيما يذكر منها مناسبة للسياق الذي سيقت له فإنها تارة تساق إلى المشركين وتارة إلى أهل الكتاب وتارة تساق إلى المؤمنين وتارة إلى كليهما وقد تساق للطائفة من هؤلاء في حالة خاصة ثم تساق إليها في حالة أخرى . وبذلك تتفاوت بالإطناب والإيجاز على حسب المقامات ألا ترى قصة بعث موسى كيف بسطت في سورة طه وسورة الشعراء . وكيف أوجزت في آيتين في سورة الفرقان ( ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ) .
ومنها أنه قد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة وتارة لا يقصد ذلك .
فهذه تحقيقات سمحت بها القريحة وربما كانت بعض معانيها في كلام السابقين غير صريحة .
المقدمة الثامنة .
في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها .
هذا غرض له مزيد اتصال بالقرآن . وله اتصال متين بالتفسير ؛ لأن ما يتحقق فيه ينتفع به في مواضع كثيرة من فواتح السور ومناسبة بعضها لبعض فيغني المفسر عن إعادته .
معلوم لك أن موضوع علم التفسير هو القرآن لتبيان معانيه وما يشتمل عليه من إرشاد وهدى وآداب وإصلاح حال الأمة في جماعتها وفي معاملتها مع الأمم التي تخالطها : بفهم دلالته اللغوية والبلاغية . فالقرآن هو الكلام الذي أوحاه الله تعالى كلاما عربيا إلى محمد A بواسطة جبريل على أن يبلغه الرسول إلى الأمة باللفظ الذي أوحي به إليه للعمل به ولقراءة ما يتيسر لهم أن يقرأوه منه في صلواتهم وجعل قراءته عبادة .
وجعله كذلك آية على صدق الرسول في دعواه الرسالة عن الله إلى الخلق كافة بأن تحدى منكريه والمترددين فيه من العرب وهم المخاطبون به الأولون بأنهم لا يستطيعون معارضته ودعاهم إليها فلم يفعلوا . دعاهم أول الأمر إلى الإتيان بعشر سور مثله فقال ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين . فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ) " سورة هود " . ثم استنزلهم إلى أهون من ذلك عليهم فقال ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) " سورة يونس " ثم جاء بأصرح من ذلك وأنذرهم بأنهم ليسوا بآتين بذلك فقال في سورة البقرة ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين . فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار ) الآية . وقال ( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) " سورة العنكبوت " وقد بين النبي A ذلك بقوله " ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " وفي هذا الحديث معان جليلة ليس هذا مقام بيانها وقد شرحتها في تعليقي على صحيح البخاري المسمى " النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح " .
A E