فالقرآن اسم للكلام الموحى به إلى النبي A وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة أولاها الفاتحة وأخراها سورة الناس . صار هذا الاسم علم على هذا الوحي . وهو على وزن فعلان وهي زنة وردت في أسماء المصادر مثل غفران وشكران وبهتان ووردت زيادة النون في أسماء أعلام مثل عثمان وحسان وعدنان واسم قرآن صالح للاعتبارين لأنه مشتق من القراءة لأن أول ما بدئ به الرسول من الوحي ( اقرأ باسم ربك ) الآية . وقال تعالى ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) فهمزة قرآن أصلية ووزنه فعلان ولذلك اتفق أكثر القراء على قراءة لفظ قرآن مهموزا حيثما وقع في التنزيل ولم يخالفهم إلا ابن كثير قرأه بفتح الراء بعدها ألف على لغة تخفيف المهموز وهي لغة حجازية والأصل توافق القراءات في مدلول اللفظ المختلف في قراءته . وقيل هو قرآن بوزن فعال من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه وسمى كتاب الله قرآنا كما سمى الإنجيل الإنجيل وليس مأخوذا من قرأت ولهذا يهمز قرأت ولا يهمز القرآن فتكون قراءة ابن كثير جارية على أنه اسم أخر لكتاب الله على هذا الوجه . ومن الناس من زعم أن قرآن جمع قرينه أي اسم جمع إذ لا يجمع مثل قرينه على وزن فعال في التكثير فإن الجموع الواردة على وزن فعال محصورة ليس هذا منها والقرينة العلامة قالوا لأن آياته يصدق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق .
فاسم القرآن هو الاسم الذي جعل علما على الوحي المنزل على محمد A ولم يسبق أن أطلق على غيره قبله وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف .
وله أسماء أخرى هي في الأصل أوصاف أو أجناس أنهاها في الإتقان إلى نيف وعشرين . والذي اشتهر إطلاقه عليه منها ستة : التنزيل والكتاب والفرقان والذكر والوحي وكلام الله .
فأما الفرقان فهو في الأصل اسم لما يفرق به بين الحق والباطل وهو مصدر وقد وصف يوم بدر بيوم الفرقان وأطلق على القرآن في قوله تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ) وقد جعل هذا الاسم علما على القرآن بالغلبة مثل التوراة على الكتاب الذي جاء به موسى والإنجيل على الوحي الذي أنزل على عيسى قال تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) إلى قوله ( وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ) فوصفه أولا بالكتاب وهو اسم الجنس العام ثم عبر عنه باسم الفرقان عقب ذكر التوراة والإنجيل وهما علمان ليعلم أن الفرقان علم على الكتاب الذي أنزل على محمد A . ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل فإن القرآن يعضد هديه بالدلائل والأمثال ونحوها وحسبك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله مما لا تجد مثله في التوراة والإنجيل كقوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) وأذكر لك مثالا يكون تبصرة لك في معنى كون القرآن فرقانا وذلك أنه حكى صفة أصحاب محمد A الواردة في التوراة والإنجيل بقوله ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) الآيات من سورة محمد فلما وصفهم القرآن قال ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الآية آل عمران فجمع في هاته الجملة جميع أوصاف الكمال .
وأما إن افتقدت ناحية آيات أحكامه فإنك تجدها مبرأة من اللبس وبعيدة عن تطرق الشبهة وحسبك قوله ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا ) فإنك لا تجد في التوراة جملة تفيد هذا المعنى بله ما في الإنجيل .
وهذا من مقتضيات كون القرآن مهيمنا على الكتب السالفة في قوله تعالى ( وأنزلنا عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) وسيأتي بيان هذا في أول آل عمران .
وأما التنزيل فهو مصدر نزل أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء قال تعالى ( تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ) وقال : ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) .
A E