وقوله ( على قلبك ) يتعلق بفعل ( نزل ) و ( على ) للاستعلاء المجازي لأن النزول وصول من مكان عال فهو مقتض استقرار النازل على مكان .
ومعنى نزول جبريل على قلب النبي عليهما السلام : اتصاله بقوة إدراك النبي لإلقاء الوحي الإلهي في قوته المتلقية للكلام الموحى بألفاظه ؛ ففعل ( نزل ) حقيقة .
وحرف ( على ) مستعار للدلالة على التمكن مما سمي بقلب النبي مثل استعارته في قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) .
وقد وصف النبي A ذلك في حديث الصحيحين عن عائشة Bها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله A فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " .
وهذان الوصفان خاصان بوحي نزول القرآن . وثمة وحي من قبيل إبلاغ المعنى وسماه النبي A في حديث آخر نفثا . فقال : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي أجلها ) . فهذا اللفظ ليس من القرآن فهو وحي بالمعنى ( والروع : العقل ) . وقد يكون الوحي في رؤيا النوم فإن النبي لا ينام قلبه ويكون أيضا بسماع كلام الله من وراء حجاب وقد بينا في شرح الحديث النكتة في اختصاص إحدى الحالتين ببعض الأوقات .
واشعر قوله ( على قلبك ) أن القرآن ألقي في قلبه بألفاظه قال تعالى ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ) .
A E ومعنى ( لتكون من المنذرين ) لتكون من الرسل . واختير من أفعاله النذارة لأنها أخص بغرض السورة فإنها افتتحت بذكر إعراضهم وبإنذارهم .
وفي ( من المنذرين ) من المبالغة في تمكن وصف الرسالة منه ما تقدم غير مرة في مثل هذه الصيغة في هذه القصص وغيرها . و ( بلسان ) حال من الضمير المجرور في ( نزل به الروح الأمين ) .
والباء للملابسة . واللسان : اللغة أي نزل بالقرآن ملابسا للغة عربية مبينة أي كائنا القرآن بلغة عربية .
والمبين : الموضح الدلالة على المعاني التي يعنيها المتكلم فإن لغة العرب أفصح اللغات وأوسعها لاحتمال المعاني الدقيقة الشريفة مع الاختصار فإن ما في أساليب نظم كلام العرب من علامات الإعراب والتقديم والتأخير وغير ذلك والحقيقة والمجاز والكناية وما في سعة اللغة من الترادف وأسماء المعاني المقيدة وما فيها من المحسنات ما يلج بالمعاني إلى العقول سهلة متمكنة فقدر الله تعالى هذه اللغة أن تكون هي لغة كتابه الذي خاطب به كافة الناس فأنزل بادئ ذي بدء بين العرب أهل ذلك اللسان ومقاويل البيان ثم جعل منهم حملته إلى الأمم تترجم معانيه فصاحتهم وبيانهم ويتلقى أساليبه الشادون منهم وولدانهم حين أصبحوا أمة واحدة يقوم باتحاد الدين واللغة وكيانهم .
( وإنه لفي زبر الأولين [ 196 ] أو لم يكن لهم لآية أن يعلمه علماؤا بني إسرائيل ( 197 ) ) .
عطف على ( وإنه لتنزيل رب العالمين ) . والضمير للقرآن كضمير ( وإنه لتنزيل رب العالمين ) . وهذا تنويه آخر بالقرآن بأنه تصدقه كتب الأنبياء الأولين بموافقتها لما فيه وخاصة في أخباره عن الأمم وأنبيائها .
وقوله ( في زبر الأولين ) أي كتب الرسل السالفين أي أن القرآن كائن في كتب الأنبياء السالفين مثل التوراة والإنجيل والزبور وكتب الأنبياء التي نعلمها إجمالا . ومعلوم أن ضمير القرآن لا يراد به ذات القرآن أي ألفاظه المنزلة على النبي A إذ ليست سور القرآن وآياته مسطورة في زبر الأولين بلفظها كله فتعين أن يكون الضمير للقرآن باعتبار اسمه ووصفه الخاص أو باعتبار معانيه