والكسف بكسر الكاف وسكون السين في قرأة من عدا حفصا : القطعة من الشيء . وقال في الكشاف هو جمع كسفة مثل قطع وسدر . والأول أظهر قال تعالى ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا ) .
وقرأ حفص ( كسفا ) بكسر الكاف وفتح السين على أنه جمع كسف كما في قوله ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) وقد تقدم في سورة الإسراء .
وقولهم ( إن كنت من الصادقين ) كقول ثمود ( فأتنا بآية إن كنت من الصادقين ) إلا أن هؤلاء عينوا الآية فيحتمل أن تعيينها اقتراح منهم ويحتمل أن شعيبا أنذرهم بكسف يأتي فيه عذاب . وذلك هو يوم الظلة المذكور في هذه الآية فكان جواب شعيب بإسناد العلم إلى الله فهو العالم بما يستحقونه من العذاب ومقداره . و ( أعلم ) هنا مبالغة في العالم وليس هو بتفضيل .
( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة أنه كان عذاب يوم عظيم [ 189 ] ) .
الظلة : السحابة كانت فيها صواعق متتابعة اصابتهم فأهلكتهم كما تقدم في سورة الأعراف . وقد كان العذاب من جنس ما سألوه ومن إسقاط شيء من السماء . وقوله ( فكذبوه ) الفاء فصيحة أي فتبين من قولهم ( إنما أنت من المسحرين ) أنهم كذبوه أي تبين التكذيب والثبات عليه بما دل عليه ما قصدوه من تعجيزه إذ قالوا ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ) . وفي إعادة فعل التكذيب إيقاظ للمشركين بأن حالهم كحال أصحاب شعيب فيوشك أن يكون عقابهم كذلك .
A E ( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 190 ] وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ 191 ] ) .
أي في ذلك آية لكفار قريش إذ كان حالهم كحال أصحاب ليكة فقد كانوا من المطففين مع الإشراك قال تعالى ( ويل للمطففين ) إلى قوله ( ليوم عظيم ) . وقد تقدم القول في نظائره . وقد ذكرنا في طالعة هذا السورة وجه تكرير آية ( إن في ذلك لآية ) الخ .
( وإنه لتنزيل رب العلمين [ 192 ] نزل به الروح الأمين [ 193 ] على قلبك لتكون من المنذرين [ 194 ] بلسان عربي مبين [ 195 ] ) .
عود إلى ما افتتحت به السورة من التنويه بالقرآن وكونه الآية العظمى بما اقتضاه قوله ( تلك آيات الكتاب المبين ) كما تقدم لتختتم السورة بإطناب التنويه بالقرآن كما ابتدئت بإجمال التنويه به والتنبيه على أنه أعظم آية اختارها الله أن تكون معجزة أفضل المرسلين . فضمير ( وإنه ) عائد إلى معلوم من المقام بعد ذكر آيات الرسل الأولين . فبواو العطف اتصلت الجملة بالجمل التي قبلها وبضمير القرآن اتصل غرضها بغرض صدر السورة .
فجملة ( وإنه لتنزيل رب العالمين ) معطوفة على الجمل التي قبلها المحكية فيها أخبار الرسل المماثلة أحوال أقوامهم لحال قوم محمد A وما أيدهم الله به من الآيات ليعلم أن القرآن هو آية الله لهذه الأمة فعطفها على الجمل التي مثلها عطف القصة على القصة لتلك المناسبة . ولكن هذه الجملة متصلة في المعنى بجملة ( تلك آيات الكتاب المبين ) بحيث لولا ما فصل بينها وبين الأخرى من طول الكلام لكانت معطوفة عليها . ووجه الخطاب إلى النبي A لأن في التنويه بالقرآن تسلية له على ما يلاقيه من إعراض الكافرين عن قبوله وطاعتهم فيه .
والتأكيد ب ( إن ) ولام الابتداء لرد إنكار المنكرين .
والتنزيل مصدر بمعنى المفعول للمبالغة في الوصف حتى كأن المنزل نفس التنزيل . وجملة ( نزل به الروح الأمين ) بيان ل ( تنزيل رب العالمين ) أي كان تنزيله على هذه الكيفية .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص وأبو جعفر بتخفيف زاي ( نزل ) ورفع ( الروح ) . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف ( نزل ) بتشديد الزاي ونصب ( الروح الأمين ) أي نزله الله به .
و ( الروح الأمين ) : جبريل وهو لقبه في القرآن سمي روحا لأن الملائكة من عالم الروحانيات وهي المجردات . وتقدم الكلام على الروح في سورة الإسراء وتقدم ( روح القدس ) في البقرة . ونزول جبريل إذن الله تعالى فنزوله تنزيل من رب العالمين .
و ( الأمين ) صفة جبريل لأن الله أمنه على وحيه . والباء فيقوله ( نزل به ) للمصاحبة .
والقلب : يطلق على ما به قبول المعلومات كما قال تعالى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) أي إدراك وعقل