قلت - وهذه الشروط الثلاثة هي شروط في قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي A بأن كانت صحيحة السند إلى النبي ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح وأما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه ألا ترى أن جمعا من أهل القراءات المتواترة قرأوا قوله تعالى ( وما هو على الغيب بظنين ) بظاء مشالة أي بمتهم وقد كتبت في المصاحف كلها بالضاد الساقطة .
على أن أبا علي الفارسي صنف كتاب الحجة للقراءات وهو معتمد عند المفسرين وقد رأيت نسخة منه في مكاتب الآستانة . فالقراءات من هذه الجهة لا تفيد في علم التفسير والمراد بموافقة خط المصحف موافقة أحد المصاحف الأئمة التي وجه بها عثمان بن عفان إلى أمصار الإسلام إذ قد يكون اختلاف يسير نادر بين بعضها مثل زيادة الواو في ( وسارعوا إلى مغفرة ) في مصحف الكوفة ومثل زيادة الفاء في قوله ( وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ) في سورة الشورى ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا - أو إحسانا ) فذلك اختلاف ناشئ عن القراءة بالوجهين بين الحفاظ من زمن الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبي A لأنه قد أثبته ناسخو المصحف في زمن عثمان فلا ينافي التواتر إذ لا تعارض إذا كان المنقول عنه قد نطق بما نقله عنه الناقلون في زمانين أو أزمنة أو كان قد أذن للناقلين أن يقرأوا بأحد اللفظين أو الألفاظ وقد انحصر توفر الشروط في الروايات العشر للقراء وهم نافع بن أبي نعيم المدني وعبد الله بن كثير المكي وأبو عمرو المازني البصري وعبد الله بن عامر الدمشقي وعاصم بن أبي النجود الكوفي وحمزة بن حبيب الكوفي والكسائي علي بن حمزة الكوفي ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني وخلف البزار " بزاي فألف فراء مهملة " الكوفي وهذا العاشر ليست له رواية خاصة وإنما اختار لنفسه قراءة تناسب قراءات أئمة الكوفة فلم يخرج عن قراءات قراء الكوفة إلا قليلا وبعض العلماء يجعل قراءة ابن محيصن واليزيدي والحسن والأعمش مرتبة دون العشر وقد عد الجمهور ما سوى ذلك شاذا لأنه لم ينقل بتواتر حفاظ القرآن .
والذي قاله مالك والشافعي أن ما دون العشر لا تجوز القراءة به ولا أخذ حكم منه لمخالفته المصحف الذي كتب فيه ما تواتر فكان ما خالفه غير متواتر فلا يكون قرآنا وقد تروي قراءات عن النبي A بأسانيد صحيحة في كتب الصحيح مثل صحيح البخاري ومسلم وأضرابهما إلا أنها لا يجوز لغير من سمعها من النبي A القراءة بها لأنها غير متواترة النقل فلا يترك المتواتر للآحاد وإذا كان راويها قد بلغته قراءة أخرى متواترة تخالف ما رواه وتحقق لديه التواتر وجب عليه أن يقرأ بالمروية تواترا وقد اصطلح المفسرون على أن يطلقوا عليها قراءة النبي A لأنها غير منتسبة إلى أحد من أئمة الرواية في القراءات ويكثر ذكر هذا العنوان في تفسير محمد بن جرير الطبري وفي الكشاف وفي المحرر الوجيز لعبد الحق ابن عطية وسبقهم إليه أبو الفتح ابن جني فلا تحسبوا أنهم أرادوا بنسبتها إلى النبي A أنها وحدها المأثورة عنه ولا ترجيحها على القراءات المشهورة لأن القراءات المشهورة قد رويت عن النبي A بأسانيد أقوى وهي متواترة على الجملة كما سنذكره وما كان ينبغي إطلاق وصف قراءة النبي عليها لأنه يوهم من ليسوا من أهل الفهم الصحيح أن غيرها لم يقرأ به النبي A وهذا يرجع إلى تبجح أصحاب الرواية بمروياتهم .
A E