وقرأ الجمهور : ( وسيعلم الكافر ) بإفراد الكافر . وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ( وسيعلم الكفار ) بصيغة الجمع . والمفرد والجمع سواء في المعرف بلام الجنس .
( ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب [ 43 ] ) عطف على ما تضمنته جملة ( وقد مكر الذين من قبلهم ) من التعريض بأن قولهم ( لولا أنزل عليه آية من ربه ) ضرب من المكر بإظهارهم أنهم يتطلبون الآيات الدالة على صدق الرسول A مظهرين أنهم في شك قد أفصحوا تارات بما أبطنوه فنطقوا بصريح التكذيب وخرجوا من طور المكر إلى طور المجاهرة بالكفر فقالوا ( لست مرسلا ) .
وقد حكي قولهم بصيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك منهم ولاستحضار حالهم العجيبة من الاستمرار على التكذيب بعد أن رأوا دلائل الصدق كما عبر بالمضارع في قوله تعالى ( ويصنع الفلك ) وقوله ( يجادلنا في قوم لوط ) .
ولما كانت مقالتهم المحكية هنا صريحة لا مواربة فيها أمر الرسول A بجواب لا جدال فيه وهو تحكيم الله بينه وبينهم .
وقد أمر الرسول A بان يجيبهم جواب الواثق بصدقه المستشهد على ذلك بشهادة الصدق من إشهاد الله تعالى وإشهاد العالمين بالكتب والشرائع .
ولما كانت الشهادة للرسول A بالصدق شهادة على الذين كفروا بأنهم كاذبون جعلت الشهادة بينه وبينهم .
وإشهاد الله في معنى الحلف على الصدق كقول هود " عليه السلام " ( إني أشهد الله ) .
والباء الداخلة على اسم الجلالة الذي هو فاعل ( كفى ) في المعنى للتأكيد . وأصل التركيب : كفى الله . و ( شهيدا ) حال لازمة أو تمييز أي كفى الله من جهة الشاهد .
( ومن عنده علم الكتاب ) معطوف على اسم الجلالة .
والموصول في ( ومن عنده علم الكتاب ) يجوز أن يراد به جنس من يتصف بالصلة . والمعنى : وكل من عندهم علم الكتاب . وإفراد الضمير المضاف إليه ( عند ) لمراعاة لفظ ( من ) . وتعريف ( الكتاب ) تعريف للعهد وهو التوراة . أي وشهادة علماء الكتاب . وذلك أن اليهود كانوا قبل هجرة النبي A إلى المدينة يستظهرون على المشركين بمجيء النبي المصدق للتوراة .
ويحتمل أن يكون المراد بمن عنده علم الكتاب معينا فهو ورقة بن نوفل إذ علم أهل مكة أنه شهد بأن ما أوحي به إلى رسول الله A هو الناموس الذي أنزل على موسى " عليه السلام " كما في حديث بدء الوحي في الصحيح . وكان ورقة منفردا بمعرفة التوراة والإنجيل . وقد كان خبر قوله للنبي A ما قاله معروفا عند قريش .
فالتعريف في ( الكتاب ) تعريف الجنس المنحصر في التوراة والإنجيل .
وقيل : أريد به عبد الله بن سلام الذي آمن بالنبي A في أول مقدمة المدينة . ويبعده أن السورة مكية كما تقدم .
A E ووجه شهادة علماء الكتاب برسالة محمد A ووجدانهم ما جاء في القرآن موافقا لسن الشرائع الإلهية ومفسرا للرموز الواردة في التوراة والإنجيل في صفة النبي A المصدق الموعود به . ولهذا المعنى كان التعبير في هذه الآية ب ( من عنده علم الكتاب ) دون أهل الكتاب لأن تطبيق ذلك لا يدركه إلا علماؤهم . قال تعالى ( أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة إبراهيم .
أضيفت هذه السورة إلى اسم إبراهيم " عليه السلام " فكان ذلك اسما لها لا يعرف لها غيره . ولم أقف على إطلاق هذا الاسم عليها في كلام النبي A ولا في كلام أصحابه في خبر مقبول .
ووجه تسميتها بهذا وإن كان ذكر إبراهيم " عليه السلام " جرى في كثير من السور أنها من السور ذوات ( ألر ) . وقد ميز بعضها عن بعض بالإضافة إلى أسماء الأنبياء " عليهم السلام " التي جاءت قصصهم فيها أو إلى مكان بعثة بعضهم وهي سورة الحجر ولذلك لم تضف سورة الرعد إلى مثل ذلك لأنها متميزة بفاتحتها بزيادة حرف ميم على ألف ولام وراء .
وهي مكية كلها عند الجمهور . وعن قتادة إلا آيتي ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ) إلى قوله ( وبئس القرار ) وقيل : إلى قوله : ( فإن مصيركم إلى النار ) . نزل ذلك في المشركين في قضية بدر وليس ذلك إلا توهما كما ستعرفه