نزلت هذه السور بعد سورة الشورى وقبل سورة الأنبياء . وقد عدت السبعين في ترتيب السور في النزول .
وعدت آياتها أربعا وخمسين عند المدنين وخمسين عند أهل الشام وإحدى وخمسين عند أهل البصرة . واثنتين وخمسين عند أهل الكوفة .
واشتملت من الأغراض على أنها ابتدأت بالتنبيه إلى إعجاز القرآن وبالتنويه بشأنه وأنه أنزل لإخراج الناس من الضلالة . والامتنان بأن جعله بلسان العرب . وتمجيد الله تعالى الذي أنزله .
ووعيد الذين كفروا به بمن أنزل عليه .
وإيقاظ المعاندين بأن محمد A ما كان بدعا من الرسل . وأن كونه بشرا أمر غير مناف لرسالته من عند الله كغيره من الرسل . وضرب له مثلا برسالة موسى " عليه السلام " إلى فرعون لإصلاح حال بني إسرائيل .
وتذكيره قومه بنعم الله ووجوب شكرها .
وموعظته إياهم بما حل بقوم نوح وعاد ومن بعدهم وما لاقته رسلهم من التكذيب .
وكيف كانت عاقبة المكذبين .
وإقامة الحجة على تفرد الله تعالى بالإلهية بدلائل مصنوعاته .
وذكر البعث .
وتحذير الكفار من تغرير قادتهم وكبرائهم بهم من كيد الشيطان .
وكيف يتبرأون منهم يوم الحشر .
ووصف حالهم وحال المؤمنين يومئذ .
وفضل كلمة الإسلام وخبث كلمة الكفر .
ثم التعجيب من حال قوم كفروا نعمة الله وأوقعوا من تبعهم في دار البوار بالإشراك .
والإيماء إلى مقابلته بحال المؤمنين .
وعد بعض نعمة على الناس تفضيلا ثم جمعها إجمالا .
ثم ذكر الفريقين بحال إبراهيم " عليه السلام " ليعلم الفريقان من هو سالك سبيل إبراهيم " عليه السلام " ومن هو ناكب عنه من ساكني البلد الحرام .
وتحذيرهم من كفران النعمة .
وإنذارهم أن يحل بالذين ظلموا من قبل .
وتثبيت النبي A بوعد النصر .
وما تخلل ذلك من الأمثال .
وختمت بكلمات جامعة من قوله ( هذا بلاغ للناس ) إلى آخرها .
( ألر ) تقدم الكلام على الحروف المقطعة في فاتحة سورة البقرة وعلى نظير هذه الحروف في سورة يونس .
( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد [ 1 ] ) الكلام على تركيب ( ألر كتاب أنزلناه إليك ) كالكلام على قوله تعالى ( ألمص كتاب أنزلناه إليك ) عدا هذه الآية ذكر فيها فاعل الإنزال وهو معلوم من مادة الإنزال المشعرة بأنه وارد من قبل العالم العلوي فللعلم بمنزلة حذف الفاعل في آية سورة الأعراف وهو مقتضى الظاهر والإيجاز ولكنه ذكرها هنا لأن المقام مقام الامتنان على الناس المستفاد من التعليل بقوله ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) ومن ذكر صفة الربوبية بقوله ( بإذن ربهم ) بخلاف آية سورة الأعراف فإنها في مقام الطمأنة والتصبير للنبي " E " المنزل إليه الكتاب فكان التعرض لذكر المنزل إليه والاقتصار عليه أهم في ذلك المقام مع ما فيه من قضاء حق الإيجاز .
A E أما التعرض للمنزل إليه هنا فللتنويه بشأنه وليجعل له حظ في هذه المنة وهو حظ الوساطة كما دل عليه قوله ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) ولما فيه من غم المعاندين والمبغضين للنبي A .
ولأجل هذا المقصد وقع إظهار صفات فاعل الإنزال ثلاث مرات في قوله ( بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) بعد أن كان المقام للإضمار تبعا لقوله ( أنزلناه ) .
وإسناد الإخراج إلى النبي " E " لأنه يبلغ هذا الكتاب المشتمل على تبيين طرق الهداية إلى الإيمان وإظهار فساد الشرك والكفر وهو مع التبليغ يبين للناس ويقرب إليهم معاني الكتاب بتفسيره وتبيينه ثم بما يبنيه عليه من المواعظ والنذر والبشارة . وإذا قد أسند الإخراج إليه في سياق تعليل إنزال الكتاب إليه علم أن إخراجه إياهم من الظلمات بسبب هذا الكتاب المنزل أي بما يشتمل عليه من معاني الهداية .
وتعليل الإنزال بالإخراج من الظلمات دل على أن الهداية هي مراد الله تعالى من الناس وأنه لم يتركهم في ضلالهم فمن اهتدى فبإرشاد الله ومن ضل فبإرشاد الضال هوى على دلائل الإرشاد وأمر الله لا يكون إلا لحكم ومصالح بعضها أكبر من بعض .
والإخراج : مستعار للنقل من حال إلى حال . شبه الانتقال بالخروج فشبه النقل بالإخراج