وما صدق ( من هو قائم على كل نفس ) هو الله الإله الق الخالق المدبر .
وخبر ( من هو قائم ) محذوف دلت عليه جملة ( وجعلوا لله شركاء ) والتقدير : أمن هو قائم على كل نفس ومن جعلوهم به شركاء سواء في استحقاق العبادة . دل على تقديره ما تقتضيه الشركة في العبادة من التسوية في الإلهية واستحقاق العبادة . والاستفهام إنكار لتلك التسوية من لفظ ( شركاء ) وبهذا المحذوف استغنى عن تقدير معادل للهمزة كما نبه عليه صاحب مغنى اللبيب لأن المقدر المدلول عليه بدليل خاص أقوى فائدة من تقدير المعادل الذي حاصله أن يقدر : أم من ليس كذلك . وسيأتي قريبا بيان موقع ( وجعلوا لله شركاء ) . والعدول عن اسم الجلالة إلى الموصول في قوله ( أفمن هو قائم ) لأن في الصلة دليلا على انتفاء المساواة وتخطئة لأهل الشرك في تشريك آلهتهم لله تعالى في الإلهية ونداء على غباوتهم إذ هم معترفون بأن الله هو الخالق . والمقدر باعتقادهم ذلك هو أصل إقامة الدليل عليهم بإقرارهم ولما في هذه الصلة من التعريض لما سيأتي قريبا .
والقائم على الشيء : الرقيب فيشمل الحفظ والإبقاء والإمداد ولتضمنه معنى الرقيب عدي بحرف ( على ) المفيد للاستعلاء المجازي . وأصله من القيام وهو الملازمة كقوله ( إلا ما دمت عليه قائما ) . ويجيء من معنى القائم أنه العليم بحال كل شيء لأن تمام القيومية يتوقف على إحاطة العلم .
فمعنى ( قائم على كل نفس ) متوليها ومدبرها في جميع شؤونها في الخلق والأجل والرزق والعالم بأحوالها وأعمالها فكان إطلاق وصف ( قائم ) هنا من إطلاق المشترك على معنييه . والمشركون لا ينازعون في انفراد الله بهذا القيام ولكنهم لا يراعون ذلك في عبادتهم غيره فمن أجل ذلك لزمتهم الحجة ولمراعاة هذا المعنى تعلق قائم بقوله ( على كل نفس ) ليعم القيام سائر شؤونها .
A E والباء في قوله ( بما كسبت ) للملابسة . وهي في موقع الحال من ( نفس ) أو من ( قائم ) باعتبار ما يقتضيه القيام من العلم أي قياما ملابسا لما عملته كل نفس أي قياما وفاقا لأعمالها من عمل خير يقتضي القيام عليها باللطف والرضى فتظهر آثار ذلك في الدنيا والآخرة لقوله ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) وقال ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) أو من عمل شر يقتضي قيامه على النفس بالغضب والبلايا . ففي هذه الصلة بعمومها تبشير وتهديد لمن تأمل من الفريقين . فهذا تعريض بالأمرين أفادته صلة الموصول .
وجملة ( وجعلوا لله شركاء ) في موضع الحال أي والحال جعلوا له شركاء .
وإظهار اسم الجلالة إظهار في مقام الإتيان بضمير ( من هو قائم ) . وفائدة هذا الإظهار التعبير عن المسمى باسمه العلم الذي هو الأصل إذ كان قد وقع الإيفاء بحق العدول عنه إلى الموصول في الجملة السابقة فتهيأ المقام للاسم العلم وليكون تصريحا بأنه المراد من الموصول السابق زيادة في التصريح بالحجة .
وجملة ( قل سموهم ) استئناف أعيد الأمر بالقول لاسترعاء الأفهام لوعي ما سيذكر . وهذه كلمة جامعة أعني جملة ( سموهم ) وقد تضمنت ردا عليهم . فالمعنى : سموهم شركاء فليس لهم حظ 'لا التسمية أي دون مسمى الشريك فالأمر مستعمل في معنى الإباحة كناية عن قلة المبالاة بدعائهم أنهم شركاء مثل ( قل كونوا حجارة ) وكما تقول للذي يخطئ في كلامه : قل ما شئت . والمعنى : إن هي إلا أسماء سميتموها لا مسميات لها بوصف الإلهية لأنها حجارة لا صفات لها من صفات التصرف . وهذا كقوله تعالى ( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) وقوله ( إن هي إلا أسماء سميتموها ) . وهذا إفحام لهم وتسفيه لأحلامهم بأنهم ألهوا ما لا حقائق لها فلا شبهة لهم في ذلك كقوله تعالى ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) وقد تكحل المفسرون في تأويل ( قل سموهم ) بما لا محصل له من المعنى