و ( وعد الله ) من إطلاق المصدر على المفعول أي موعود الله وهو ما توعدهم به من العذاب كما في قوله ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ) فأشارت الآية إلى استئصالهم لأنها ذكرت الغلب ودخول جهنم فكان المعنى أنه غلب القتل بسيوف المسلمين وهو البطشة الكبرى . ومن ذلك يوم بدر ويوم حنين ويوم الفتح .
وإتيان الوعد : مجاز في وقوعه وحلوله .
وجملة ( إن الله لا يخلف الميعاد ) تذييل لجملة ( حتى يأتي وعد الله ) إيذانا بأن إتيان الوعد المغيا به محقق وأن الغاية به غاية بأمر قريب الوقوع . والتأكيد مراعاة لإنكار المشركين .
( ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب [ 32 ] ) عطف على جملة ( ولو أن قرءانا سيرت به الجبال ) الخ لأن تلك المثل الثلاثة التي فرضت أريد بها أمور سألها المشركون النبي A استهزاء وتعجيزا لا لتقرب حصولها .
وجاءت عقب الجملتين لما فيها من المناسبة لهما من جهة المثل التي في الأولى ومن جهة الغاية التي في الثانية .
وقد استهزأ قوم نوح به " عليه السلام " ( وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) واستهزأت عاد بهود " عليه السلام " ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ) واستهزأت ثمود بصالح " عليه السلام " ( قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة ) واستهزأوا بشعيب " عليه السلام " ( قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ) واستهزأ فرعون بموسى " عليه السلام " ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) .
والاستهزاء : مبالغة في الهزء مثل الاسسخار في السخرية .
A E والإملاء : الإمهال والترك مدة . ومنه ( واهجرني مليا ) وقد تقدم في قوله تعالى ( والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم ) في سورة الأعراف .
والاستفهام في ( فكيف كان عقاب ) للتعجيب .
و ( عقاب ) أصله عقابي مثل ما تقدم آنفا في قوله ( وإليه متاب ) والكلام تسلية للنبي A والمؤمنين ووعيد للمشركين .
( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد [ 33 ] ) الفاء الواقعة بعد همزة الاستفهام مؤخرة من تقديم لأن همزة الاستفهام لها الصدارة . فتقدير أصل النظم : فأمن هو قائم . فالفاء لتفريع الاستفهام وليس استفهاما على التفريع وذلك هو الوجه في وقوع حروف العطف الثلاثة الواو والفاء وثم بعد الاستفهام وهو رأي المحققين خلافا لمن يجعلون الاستفهام وارد على حرف العطف وما عطفه .
فالفاء تفريع على جملة ( قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت ) المجاب به حكاية كفرهم المضمن في جملة ( وهم يكفرون بالرحمن ) فالتفريع في المعنى على مجموع الأمرين : كفرهم وإيمان النبي A بالله .
ويجوز أن تكون تفريعا على جملة ( ولو أن قرءانا سيرت به الجبال ) فيكون ترقيا في إنكار سؤالهم إتيان معجزة غير القرآن أي إن تعجب من إنكارهم آيات القرآن فإن أعجب منه جعلهم القائم على كل نفس بما كسبت مماثلا لمن جعلوه لله شركاء .
واعترض أثر ذلك برد سؤالهم أن تسير الجبال أو تقطع الأرض أو تكلم الموتى وتذكيرهم بما حل بالمكذبين من قبلهم مع إدماج تسلية الرسول " E " لم فرع على ذلك الاستفهام الإنكاري .
وللمفسرين في تصوير الآية محامل مختلفة وكثير منها متقاربة ومرجع المتجه منها إلى أن في النظم حذفا يدل عليه ما هو مذكور فيه أو يدل عليه السياق . والوجه في بيان النظم أن التفريع على مجموع قوله ( وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو ) أي أن كفرهم بالرحمن وإيمانك بأنه ربك المقصورة عليه الربوبية يتفرع على مجموع ذلك استفهامهم استفهام إنكار عليهم تسويتهم من هو قائم على كل نفس بمن ليس مثله من جعلوه له شركاء أي كيف يشركونهم وهم ليسوا مع الله