وافتتحت الجملة بضمير الجلالة دون اسم الجلالة المفتتح به في الجمل السابقة فجاءت على أسلوب مختلف . وأحسب أن ذلك مراعاة لكون هاته الجملة مفرعة عن أغراض الجمل السابقة فإن جمل فواتح الأغراض افتتحت بالاسم العلم كقوله ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ) وقوله ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) وقوله ( إن الله لا يغير ما بقوم ) وجمل التفاريع افتتحت بالضمائر كقوله ( يدبر الأمر ) وقوله ( وهو الذي مد الأرض ) وقوله ( جعل فيها زوجين ) .
و ( خوفا وطمعا ) مصدران بمعنى التخويف والإطاع فهما في محل المفعول لأجله لظهور المراد .
وجعل البرق آية نذارة وبشارة معا لأنهم كانوا يسمون البرق فيتوسمون الغيث وكانوا يخشون صواعقه .
وإنشاء السحاب : تكوينه من عدم بإثارة الأبخرة التي تتجمع سحابا .
والسحاب : اسم جمع لسحابة . والثقال : جمع ثقيلة . والثقل كون الجسم أكثر كمية أجزاء من أمثاله فالثقل أمر نسبي يختلف باختلاف أنواع الأجسام فرب شيء يعد ثقيلا في نوعه وهو خفيف بالنسبة لنوع آخر . والسحاب يكون ثقيل بمقدار ما في خلاله من البخار . وعلامة ثقله قربه من الأرض وبطء تنقله بالرياح . والخفيف منه يسمى جهاما .
وعطف الرعد على ذكر البرق والسحاب لأنه مقارنهما في كثير من الأحوال .
ولما كان الرعد صوتا عظيما جعل ذكره عبرة للسامعين لدلالة الرعد بلوازم عقلية على أن الله منزه عما يقوله المشركون من ادعاء الشركاء وكان شان تلك الدلالة أن تبعث الناظر فيها على تنزيه الله عن الشريك جعل صوت الرعد دليلا على تنزيه الله تعالى فإسناد التسبيح إلى الرعد مجاز عقلي . ولك أن تجعله استعارة مكنية بأن شبه الرعد بآدمي يسبح الله تعالى وأثبت شيء من علائق المشبه به وهو التسبيح أي قول سبحان الله .
والباء في ( بحمده ) للملابسة أي ينزه الله تنزيها ملابسا لحمده من حيث إنه دال على اقتراب نزول الغيث وهو نعمة تستوجب الحمد . فالقول في ملابسة الرعد للحمد مساو للقول في إسناد التسبيح إلى الرعد . فالملابسة مجازية عقلية أو استعارة مكنية .
و ( الملائكة ) عطف على الرعد أي وتسبح الملائكة من خيفته أي من خوف الله .
و ( من ) للتعليل أي ينزهون الله لأجل الخوف منه أي الخوف مما لا يرضي به وهو التقصير في تنزيهه .
وهذا اعتراض بين تعداد المواعظ لمناسبة التعريض بالمشركين أي أن التنزيه الذي دلت عليه آيات الجو يقوم به الملائكة فالله غني عن تنزيهكم إياه كقوله ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ) وقوله ( وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) .
واقتصر في العبرة بالصواعق على الإنذار بها لأنها لا نعمة فيها لأن النعمة حاصلة بالسحاب وأما الرعد فآله من آلات التخويف والإنذار كما قال في آية سورة البقرة ( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ) . وكان العرب يخافون الصواعق . ولقبوا خويلد بن نفيل الصعق لأنه أصابته صاعقة أحرقته .
ومن هذا القبيل قول النبي A " أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده " أي بكسوفهما فاقتصر في آيتهما على الإنذار إذ لا يترقب الناس من كسوفهما نفعا .
وجملة ( وهم يجادلون في الله ) في موضع الحال لأنه من متممات التعجب الذي في قوله ( وإن تعجب فعجب قولهم ) الخ . فضمائر الغيبة كلها عائدة إلى الكفار الذين تقدم ذكرهم في صدر السورة بقوله ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) وقوله ( أولئك الذين كفروا بربهم ) وقوله ( ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ) . وقد أعيد الأسلوب هنا إلى ضمائر الغيبة لانقضاء الكلام على ما يصلح لموعظة المؤمنين والكافرين فتمحض تخويف الكافرين .
والمجادلة : المخاصمة والمراجعة بالقول . وتقدم في قوله تعالى ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) في سورة النساء .
وقد فهم أن مفعول ( يجادلون ) هو النبي A والمسلمون . فالتقدير : يجادلونك أو يجادلونكم كقوله ( يجادلونك في الحق بعد ما تبين ) في سورة الأنفال .
والمجادلة إنما تكون في الشؤون والأحوال فتعليق اسم الجلالة المجرور بفعل ( يجادلون ) يتعين أن يكون على تقدير مضاف تدل عليه القرينة أي في توحيد الله أو في قدرته على البعث .
A E