ومن جدلهم ما حكاه قوله ( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ) . في سورة يس .
والمحال : بكسر الميم يحتمل هنا معنيين لأنه إن كانت الميم فيه أصلية فهو فعال بمعنى الكيد وفعله محل ومنه قولهم تمحل إذا تحيل . جعل جدالهم في الله جدال كيد لأنهم يبرزونه في صورة الاستفهام في نحو قولهم ( من يحيي العظام وهي رميم ) فقوبل ب ( شديد المحال ) على طريقة المشاكلة أي وهو شديد المحال لا يغلبونه ونظيره ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) .
وقال نفطويه : هو من ماحل عن أمره أي جادل . والمعنى : وهو شديد المجادلة أي قوي الحجة .
وإن كانت الميم زائدة فهو مفعل من الحول بمعنى القوة وعلى هذا فإبدال الواو ألفا على غير قياس لأنه لا موجب للقلب لأن ما قبل الواو ساكن سكونا حيا فلعلهم قلبوها ألفا للتفرقة بينه وبين محول بمعنى صبي ذي حول أي سنة .
وذكر الواحدي والطبري أخبارا عن أنس وابن عباس " Bهما " أن هذه الآية نزلت في قضية عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة حين وردا المدينة يشترطان لدخولهما في الإسلام شروطا لم يقبلها منهما النبي A فهم أربد بقتل النبي A فصرفه الله فخرج هو وعامر بن الطفيل قاصدين قومهما وتواعدا النبي A بان يجلبا عليه خيل بني عامر . فأهلك الله أربد بصاعقة أصابته وأهلك عامرا بغدة نبتت في جسمه فمات منها وهو في بيت امرأة من بني سلول في طريقه إلى أرض قومه فنزلت في أربد ( ويرسل الصواعق ) وفي عامر ( وهم يجادلون في الله ) .
وذكر الطبري عن صحار العبدي : أنها نزلت في جبار آخر . وعن مجاهد : أنها نزلت في يهودي جادل في الله فأصابته صاعقة .
ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بان السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول . ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية . وفي هذه القصة أرسل عامر ابن الطفيل قوله " أغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية " مثلا . ورثى لبيد ابن ربيعة أخاه أربد بأبيات منها : .
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السماك والأسد .
فجعني الرعد والصواعق بالف ... ارس يوم الكريهة النجد ( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال [ 14 ] ) استئناف ابتدائي بمنزلة النتيجة ونهوض المدلل عليه بالآيات السالفة التي هي براهين الانفراد بالخلق الأول ثم الخلق الثاني وبالقدرة التامة التي لا تدانيها قدرة قدير وبالعلم العام فلا جرم أن يكون صاحب تلك الصفات هو المعبود بالحق وأن عبادة غيره ضلال .
والدعوة : طلب الإقبال وكثر إطلاقها على طلب الإقبال للنجدة أو للبذل وذلك متعين فيها إذا أطلقت في جانب الله لاستحالة الإقبال الحقيقي فالمراد طلب الإغاثة أو النعمة .
ولإضافة الدعوة إلى الحق إما من إضافة الموصوف إلى الصفة إن كان الحق بمعنى مصادفة الواقع أي الدعوة التي تصادف الواقع أي استحقاقه إياها وإما من إضافة الشيء إلى منشئه كقولهم : برود اليمن أي الدعوة الصادرة عن حق وهو ضد الباطل فإن دعاء الله يصدر عن اعتقاد الوحدانية وهو الحق وعبادة الأصنام تصدر عن اعتقاد الشرك وهو الباطل .
واللام للملك المجازي وهو الاستحقاق . وتقديم الجار والمجرور على المبتدأ لإفادة التخصيص أي دعوة الحق ملكه لا ملك غيره وهو قصر إضافي