ويجوز أن يكون الحفظ على الوجه المراد به الوقاية والصيانة أي يحفظون من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أي يقونه أضرار الليل من اللصوص وذوات السموم وأضرار النهار نحو الزحام والقتال فيكون ( من أمر الله ) جارا ومجرورا لغوا متعلقا ب ( يحفظونه ) أي يقونه من مخلوقات الله . وهذا منة العبادة بلطف الله بهم وإلا لكان أدنى شيء يضر بهم . قال تعالى ( الله لطيف بعباده ) .
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال [ 11 ] ) جملة معترضة بين الجمل المتقدمة المسوقة للاستدلال على عظيم قدرة الله تعالى وعلمه بمصنوعاته وبين التذكير بقوة قدرته وبين جملة ( وهو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ) . والمقصود تحذيرهم من الإصرار على الشرك بتحذيرهم من حلول العقاب في الدنيا في مقابلة استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة ذلك أنهم كانوا في نعمة من العيش فبطروا النعمة وقابلوا دعوة الرسول A بالهزء وعاملوا المؤمنين بالتحقير ( قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ( وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا ) .
فذكرهم الله بنعمته عليهم ونبههم إلى أن زوالها لا يكون إلا بسبب أعمالهم السيئة بعد ما أنذرهم ودعاهم .
والتغير : التبديل بالمغاير فلا جرم أنه تهديد لأولى النعمة من المشركين بأنهم قد تعرضوا لتغيرها . فما صدق ( ما ) الموصولة حالة والباء للملابسة أي حالة ملابسة لقوم أي حالة نعمة لأنها محل التحذير من التغير وأما غيرها فتغييره مطلوب . وأطلق التغيير في قوله ( حتى يغيروا ) على التسبب فيه على طريقة المجاز العقلي .
وجملة ( وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ) تصريح بمفهوم الغاية المستفاد من ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) تأكيدا للتحذير لأن المقام لكونه مقام خوف ووجل يقتضي التصريح دون التعريض ولا ما يقرب منه أي إذا أراد الله أن يغير ما بقوم حين يغيرون ما بأنفسهم لا يرد إرادته شيء . وذلك تحذير من الغرور أن يقولوا : سنسترسل على ما نحن فيه فإذا رأينا العذاب آمنا . وهذا كقوله ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ) الآية .
وجملة ( وما لهم من دونه من وال ) زيادة في التحذير من الغرور لئلا يحسبوا أن أصنامهم شفعاؤهم عند الله .
والوالي : الذي يلي أمر أحد أي يشتغل بأمره اشتغال بأمره اشتغال تدبير ونفع مشتق من ولي إذا قرب وهو قرب ملابسة ومعالجة .
وقرأ الجمهور من ( وال ) تنوين ( وال ) دون ياء في الوصل والوقف . وقرأه ابن كثير " بياء اللام " وقفا فقط دون الوصل كما علمته في قوله تعالى ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) في هذه السورة .
( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال [ 12 ] ويسبح بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال [ 13 ] ) استئناف ابتدائي على أسلوب تعداد الحجج الواحدة تلوى الأخرى فلأجل أسلوب التعداد إذ كان كالتكرير لم يعطف على جملة ( سواء منكم من أسر القول ) .
وقد أعرب هذا عن مظهر من مظاهر قدرة الله وعجيب صنعه . وفيه من المناسبة للإنذار بقوله ( إن الله لا يغير ما بقوم ) الخ أنه مثال لتصرف الله بالإنعام والانتقام في تصرف واحد مع تذكيرها بالنعمة التي هم فيها . وكل ذلك مناسب لمقاصد الآيات الماضية في قوله ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) وقوله ( وكل شيء عنده بمقدار ) فكانت هذه الجملة جديرة بالاستقلال وأن يجاء بها مستأنفة لتكون مستقلة في عداد الجمل المستقلة الواردة في غرض السورة .
وجاء هنا بطريق الخطاب على أسلوب قوله ( سواء منكم من أسر القول ) لأن الخوف والطمع يصدران من المؤمنين ويهدد بهما الكفرة .
A E