وأما ( الشهادة ) فهي هنا مصدر بمعنى المفعول أي الأشياء المشهودة وهي الظاهرة المحسوسة المرئيات وغيرها من المحسوسات فالمقصود من ( الغيب والشهادة ) تعميم الموجودات كقوله ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) .
والكبير : مجاز في العظمة إذ قد شاع استعمال أسماء الكثرة وألفاظ الكبر في العظمة تشبيها للمعقول بالمحسوس وشاع ذلك حتى صار كالحقيقة . والمتعالي : المترفع . وصيغت الصفة بصيغة التفاعل للدلالة على أن العلو صفة ذاتية له لا من غيره أي الرفيع رفعة واجبة له عقلا . والمراد بالرفعة هنا المجاز عن العزة التامة بحيث لا يستطيع موجود أن يغلبه أو يكرهه أو المنزه عن النقائص كقوله عز وجل ( تعالى عما يشركون ) .
وحذف الياء من ( المتعال ) لمراعاة الفواصل الساكنة لأن الأفصح في المنقوص غير المنون إثبات الياء في الوقف إلا إذا وقعت في القافية أو في الفواصل كما في هذه الآية لمراعاة " من و ال . والآصال ) .
وقد ذكر سيبويه أن ما يختار إثباته من الياءات والواوات يحذف في الفواصل والقوافي والإثبات أقيس والحذف عربي كثير .
( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار [ 10 ] ) موقع هذه الجملة استئناف بياني لأن مضمونها بمنزلة النتيجة لعموم علم الله تعالى بالخفيات والظواهر . وعدل عن الغيبة المتبعة في الضمائر فيما تقدم إلى الخطاب هنا في قوله ( سواء منكم ) لأنه تعليم يصلح للمؤمنين والكافرين .
وفيها تعريض بالتهديد للمشركين المتآمرين على النبي A .
و ( سواء ) اسم بمعنى مستو . وإنما يقع معناه بين شيئين فصاعدا . واستعمل سواء في الكلام ملازما حالة واحدة فيقال : هما سواء وهم سواء قال تعالى ( فأنتم فيه سواء ) . وموقع سواء هنا موقع المبتدأ . و ( من أسر القول ) فاعل سد مسد الخبر ويجوز جعل ( سواء ) خبرا مقدما و ( من أسر ) مبتدأ مؤخرا و ( منكم ) حال ( من أسر ) .
والاستخفاء : هنا الخفاء . فالسين والتاء للمبالغة في الفعل مثل استجاب .
والسارب : اسم فاعل من سرب إذا ذهب في السرب " بفتح السين وسكون الراء " وهو الطريق . وهذا من الأفعال المشتقة من الأسماء الجامدة . وذكر الاستخفاء مع الليل لكونه أشد خفاء . وذكر السروب مع النهار لكونه أشد ظهورا . والمعنى : أن هذين الصنفين سواء لدى علم الله تعالى .
والواو التي عطفت أسماء الموصول على الموصول الأول للتقسيم فهي بمعنى " أو " .
( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) جملة ( له معقبات ) إلى آخرها يجوز أن تكون متصلة ب ( من ) الموصولة من قوله ( من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) . على أن الجملة خبر ثان عن ( من أسر القول ) وما عطف عليه . والضمير في ( له ) والضمير المنصوب في ( يحفظونه ) . وضميرا ( من بين يديه ومن خلفه ) جاءت مفردة لأن كلا منها عائد إلى أحد أصحاب تلك الصلاة حيث إن ذكرهم ذكر أقسام من الذين جعلوا سواء في علم الله تعالى أي لكل من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار معقبات يحفظونه من غوائل تلك الأوقات .
ويجوز أن تتصل الجملة ب ( من يستخف بالليل وسارب بالنهار ) وإفراد الضمير لمراعاة عطف صلة على صلة دون إعادة الموصول . والمعنى كالوجه الأول .
و ( المعقبات ) جمع معقبة " بفتح العين وتشديد القاف مكسورة " اسم فاعل عقبه إذا تبعه . وصيغة التفعيل فيه للمبالغة في العقب . يقال : عقبه إذا اتبعه واشتقاقه من العقب " بفتح فكسر " وهو اسم لمؤخر الرجل فهو فعل مشتق من الاسم الجامد لأن الذي يتبع غيره كأنه يطأ على عقبه والمراد : ملائكة معقبات . والواحد معقب .
وإنما جمع مؤنث بتأويل الجماعات .
والحفظ : المراقبة ومنه سمي الرقيب حفيظا والمعنى : يراقبون كل أحد في أحواله من إسرار وإعلان وسكون وحركة أي في أحوال ذلك قال تعالى ( وإن عليكم لحافظين ) .
و ( من بين يديه ومن خلفه ) مستعمل في معنى الإحاطة من الجهات كلها . وقوله ( من أمر الله ) صفة ( معقبات ) أي جماعات من جند الله وأمره كقوله تعالى ( قل الروح من أمر ربي ) وقوله ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) يعني القرآن .
A E