وقوله : ( لأولنا ) بدل من الضمير في قوله ( لنا ) بدل بعض من كل وعطف ( وآخرنا ) عليه يصير الجميع في قوة البدل المطابق . وقد أظهر لام الجر في البدل وشأن البدل أن لا يظهر فيه العامل الذي عمل في المبدل منه لأن كون البدل تابعا للمبدل منه في الإعراب مناف لذكر العامل الذي عمل في المتبوع ولهذا قال النحاة : إن البدل على نية تكرار العامل أي العامل منوي غير مصرح به . وقد ذكر الزمخشري في المفصل أن عامل البدل قد يصرح به وجعل ذلك دليلا على أنه منوي في الغالب ولم يقيد ذلك بنوع من العوامل ومثله بقوله تعالى : ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) وبقوله في سورة الأعراف ( قال الملأ الذين استكبروا للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) . وقال في الكشاف في هذه الآية ( لأولنا وآخرنا ) بدل من ( لنا ) بتكرير العامل . وجوز البدل أيضا في آية الزخرف ثم قال : ويجوز أن يكون اللامان بمنزلة اللامين في قولك : وهبت له ثوبا لقميصه يريد أن تكون اللام الأول ى متعلقة ب ( تكون ) والثانية متعلقة ب ( عيدا ) .
وقد استقريت ما بلغت إليه من موراد استعماله فتحصل عندي أن العامل الأصيل من فعل وشبهه لا يتكرر مع البدل وأما العامل التكميلي لعامل غيره وذلك حرف الجر خاصة فهو الذي ورد تكريره في آيات من القرآن من قوله تعالى ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) في سورة الأعراف وآية سورة الزخرف وقوله ( ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) . ذلك لأن حرف ا لجر مكمل لعمل الفعل الذي يتعلق هو به لأنه يعدي الفعل القاصر إلى مفعوله في المعنى الذي لا يتعدى إليه بمعنى مصدره فحرف الجر ليس بعامل قوي ولكنه مكمل للعامل المتعلق هو به .
ثم إن علينا أن نتطلب الداعي إلى إظهار حرف الجر في البدل في مواقع ظهوره . وقد جعل ابن يعيش في شرح المفصل ذلك للتأكيد قال " لأن الحرف قد يتكرر لقصد التأكيد " . وهذا غير مقنع لنا لأن التأكيد أيضا لابد من داع يدعو إليه .
فما أظهر فيه حرف الجر من هذه الآيات كان مقتضي إظهاره إما قصد تصوير الحالة كما في أكثر الآيات وإما دفع اللبس وذلك في خصوص آية الأعراف لئلا يتوهم السامع أن من يتوهم أن ( من آمن ) من المقول وأن ( من ) استفهام فيظن أنهم يسألون عن تعيين من آمن من القوم ومعنى التأكيد حاصل على كل حال لأنه ملازم لإعادة الكلمة . وأما ما ليس بعامل فهو الاستفهام وقد التزم ظهور همزة الاستفهام في البدل من اسم استفهام نحو : أين تنزل أفي الدار أم في الحائط ومن ذا أسعيد أم علي .
وهذا العيد الذي ذكر في هذه الآية غير معروف عند النصارى ولكنهم ذكروا أن عيسى عليه السلام أكل مع الحواريين على مائدة ليلة عيد الفصح وهي الليلة التي يعتقدون أنه صلب من صباحها . فلعل معنى كونها عيدا أنها صيرت يوم الفصح عيدا في المسيحية كما كان عيدا في اليهودية فيكون ذلك قد صار عيدا باختلاف الاعتبار وإن كان اليوم واحدا لأن المسيحيين وفقوا لأعياد اليهود مناسبات أخرى لائقة بالمسيحية إعفاء على آثار اليهودية .
وجملة ( قال الله إني منزلها ) جواب دعاء عيسى فلذلك فصلت على طريقة المحاورة .
وأكد الخبر ب ( إن ) تحقيقا للوعد . والمعنى إني منزلها عليكم الآن فهو استجابة وليس بوعد .
وقوله : ( فمن يكفر ) تفريع عن إجابة رغبتهم وتحذير لهم من الوقوع في الكفر بعد الإيمان إعلاما بأهمية الإيمان عند الله تعالى فجعل جزاء إجابته إياهم أن لا يعودوا إلى الكفر فإن عادوا عذبوا عذابا أشد من عذاب سائر الكفار لأنهم تعاضد لديهم دليل العقل والحس فلم يبق لهم عذر .
والضمير المنصوب في قوله ( لا أعذبه ) ضمير المصدر فهو في موضع المفعول المطلق وليس مفعولا به أي لا أعذب أحدا من العالمين ذلك العذاب أي مثل ذلك العذاب .
A E