A E ولذلك قال الحواريون ( وتطمئن قلوبنا ) أي بمشاهدة هذه المعجزة فإن الدليل الحسي أظهر في النفس ( ونعلم أن قد صدقنا ) أي نعلم علم ضرورة لا علم استدلال فيحصل لهم العلمان ( ونكون عليها من الشاهدين ) أي من الشاهدين على رؤية هذه المعجزة فنبلغها من لم يشهدها . فهذه أربع فوائد لسؤال إنزال المائدة كلها درجات من الفضل الذي يرغب فيه أمثالهم .
وتقديم الجار والمجرور في قوله ( عليها من الشاهدين ) للرعاية على الفاصلة .
( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وأخرنا وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين [ 114 ] قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين [ 115 ] ) إن كان قوله ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ) من تمام الكلام الذي يلقيه الله على عيسى يوم يجمع الله الرسل كانت هذه الجملة وهي ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة ) الخ... معترضة بين جملة ( وإذ أوحيت إلى الحواريين ) وجملة ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس ) الآية .
وإن كان قوله ( إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل ) الآية ابتداء كلام بتقدير فعل اذكر كانت جملة ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا ) الآية مجاوبة لقول الحواريين ( يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ) الآية على طريقة حكاية المحاورات .
وقوله ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة ) اشتمل على نداءين إذ كان قوله ( ربنا ) بتقدير حرف النداء . كرر النداء مبالغة في الضراعة . وليس قوله ( ربنا ) بدلا ولا بيانا من اسم الجلالة لأن نداء ( اللهم ) لا يتبع عند جمهور النحاة لأنه جار مجرى أسماء الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير حتى صار كأسماء الأفعال . ومن النحاة من أجاز إتباعه وأياما كان فإن اعتباره نداء ثانيا أبلغ هنا لا سيما وقد شاع نداء الله تعالى ( ربنا ) مع حذف حرف النداء كما في الآيات الخواتم من سورة آل عمران .
وجمع عيسى بين النداء باسم الذات الجامع لصفات الجلال وبين النداء بوصف الربوبية له وللحواريين استعطافا لله ليجيب دعاءهم .
ومعنى ( تكون لنا عيدا ) أي يكون تذكر نزولها بأن يجعلوا اليوم الموافق يوم نزولها من كل سنة عيدا فإسناد الكون عيدا للمائدة إسناد مجازي وإنما العيد اليوم الموافق ليوم نزولها ولذلك قال ( لأولنا وآخرنا ) أي لأول أمة النصرانية وآخرها وهم الذين ختمت بهم النصرانية عند البعثة المحمدية .
والعيد اسم ليوم يعود كل سنة ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار . وقد ورد ذكره في كلام العرب .
وأشهر ما كانت الأعياد في العرب عند النصارى منهم قال الجعاج : .
" كما يعود العيد نصراني مثل يوم السباسب في قول النابغة : .
" يحيون بالريحان يوم السباسب وهو عيد الشعانين عند النصارى .
وقد سمى النبي A يوم الفطر عيدا في قوله لأبي بكر لما نهى الجواري اللاء كن يغنين عند عائشة " إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " . وسمى يوم النحر عيدا في قوله ( شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة " .
والعيد مشتق من العود وهو اسم على زنة فعل فجعلت واوه ياء لوقوعها إثر كسرة لازمة . وجمعوه على أعياد بالياء على خلاف القياس لأن قياس الجمع أنه يرد الأشياء إلى أصولها فقياس جمعه أعواد لكنهم جمعوه على أعياد وصغروه على عييد تفرقة بينه وبين جمع عود وتصغيره .
A E