والتأييد وروح القدس تقدما في سورة البقرة عند قوله ( وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) .
وجملة ( تكلم ) حال من الضمير المنصوب ب ( أيدتك ) وذلك أن الله ألقى الكلام من الملك على لسان عيسى وهو في المهد وفي ذلك تأييد له لإثبات نزاهة تكونه وفي ذلك نعمة عليه وعلى والدته إذ ثبتت براءتها مما اتهمت به .
والجار والمجرور في قوله ( في المهد ) حال من ضمير ( تكلم ) . ( وكهلا ) معطوف على ( في المهد ) لأنه حال أيضا كقوله تعالى ( دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) . والمهد والكهل تقدما في تفسير سورة آل عمران . وتكليمه كهلا أريد به الدعوة إلى الدين فهو من التأييد بروح القدس لأنه الذي يلقى إلى عيسى ما يأمره الله بتبليغه .
وقوله ( وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) تقدم القول في نظيره في سورة آل عمران وكذلك قوله ( وإذ تخلق من الطين إلى قوله وإذ تخرج الموتى بإذني ) تقدم القول في نظيره هنالك .
إلا أنه قال هنا ( فتنفخ فيها ) وقال في سورة آل عمران ( فأنفخ فيه ) . فعن مكي بن أبي طالب أن الضمير في سورة آل عمران عاد إلى الطير والضمير في هذه السورة عاد إلى الهيئة واختار ابن عطية أن يكون الضمير هنا عائدا إلى ما تقتضيه الآية ضرورة . أي بدلالة الاقتضاء . وذلك أن قوله ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ) يقتضي صورا أو أجساما أو أشكالا وكذلك الضمير المذكر في سورة آل عمران يعود على المخلوق الذي يقتضيه ( أخلق ) . وجعله في الكشاف عائدا إلى الكاف باعتبار كونها صفة للفظ هيئة المحذوف الدال عليه لفظ هيئة المدخول للكاف وكل ذلك ناظرا إلى أن الهيئة لا تصلح لأن تكون متعلق ( تنفخ ) إذ الهيئة معنى لا ينفخ فيها ولا تكون طائرا .
وقرأ نافع وحده ( فتكون طائرا ) بالإفراد كما قرأ في سورة آل عمران . وتوجيهها هنا أن الضمير جرى على التأنيث فتعين أن يكون المراد وإذ تخلق أي تقدر هيئة كهيئة الطير فتكون الهيئة طائرا أي كل هيئة تقدرها تكون واحدا من الطير .
وقرأ البقية ( طيرا ) بصيغة اسم الجمع باعتبار تعدد ما يقدره من هيئات كهيئة الطير .
وقال هنا ( وإذ تخرج الموتى ) ولم يقل : وتحيي الموتى كما قال في سورة آل عمران أي تخرجهم من قبورهم أحياء فأطلق الإخراج وأريد به لازمه وهو الإحياء لأن الميت وضع في القبر لأجل كونه ميتا فكان إخراجه من القبر ملزوما لانعكاس السبب الذي لأجله وضع في القبر . وقد سمى الله الإحياء خروجا في قوله : ( وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ) وقال ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمخرجون ) . وقوله ( وإذ كففت بني إسرائيل عنك ) عطف على ( إذ أيدتك ) وما عطف عليه . وهذا من أعظم النعم وهي نعمة العصمة من الإهانة فقد كف الله عنه بني إسرائيل سنين وهو يدعو إلى الدين بين ظهرانيهم مع حقدهم وقلة أنصاره فصرفهم الله عن ضره حتى أدى الرسالة ثم لما استفاقوا وأجمعوا أمرهم على قتله عصمه الله منهم فرفعه إليه ولم يظفروا به وماتت نفوسهم بغيظها . وقد دل على جميع هذه المدة الظرف في قوله ( إذ جئتهم بالبينات ) فإن تلك المدة كلها مدة ظهور معجزاته بينهم . وقوله ( فقال الذين كفروا منهم ) تخلص من تنهية تقريع مكذبيه إلى كرامة المصدقين به .
واقتصر من دعاوي تكذيبهم إياه على قولهم ( إن هذا إلا سحر مبين ) لأن ذلك الادعاء قصدوا به التوسل إلى قتله لأن حكم الساحر في شريعة اليهود القتل إذ السحر عندهم كفر إذ كان من صناعة عبدة الأصنام فقد قرنت التوراة السحر وعرافة الجان بالشرك كما جاء في سفر اللاويين في الإصحاح العشرين .
وقرأ الجمهور ( إن هذا إلا سحر ) والإشارة ب ( هذا ) إلى مجموع ما شاهدوه من البينات . وقرأ حمزة والكسائي وخلف ( إلا ساحر ) . والإشارة إلى عيسى المفهوم من قوله ( إذ جئتهم بالبينات ) . ولا شك أن اليهود قالوا لعيسى كلتا المقالتين على التفريق أو على اختلاف جماعات القائلين وأوقات القول .
( وإذ أوحيت إلى الحوارين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون [ 111 ] ) A E