ومثله قول الزجاج : إنه متعلق بقوله ( واتقوا الله ) على أن ( يوم ) مفعول لأجله وقيل : بدل اشتمال من اسم الجلالة في قوله ( واتقوا الله ) لأن جمع الرسل مما يشتمل عليه شأن الله فالاستفهام في قوله ( ماذا أجبتم ) مستعمل في الاستشهاد . ينتقل منه إلى لازمه وهو توبيخ الذين كذبوا الرسل في حياتهم أو بدلوا وارتدوا بعد مماتهم .
وظاهر حقيقة الإجابة أن المعنى : ماذا أجابكم الأقوام الذين أرسلتم إليهم أي ماذا تلقوا به دعواتكم حملا على ما هو بمعناه في نحو قوله تعالى ( فما كان جواب قومه ) . ويحمل قول الرسل ( لا علم لنا ) على معنى لا علم لنا بما يضمرون حين أجابوا فأنت أعلم به منا . أو هو تأدب مع الله تعالى لأن ما عدا ذلك مما أجابت به الأمم يعلمه رسلهم ؛ فلا بد من تأويل نفي الرسل العلم عن أنفسهم وتفويضهم إلى علم الله تعالى بهذا المعنى . فأجمع الرسل في الجواب على تفويض العلم إلى الله أي أن علمك سبحانك أعلى من كل علم وشهادتك أعدل من كل شهادة فكان جواب الرسل متضمنا أمورا : أحدها الشهادة على الكافرين من أممهم بأن ما عاملهم الله به هو الحق . الثاني تسفيه أولئك الكافرين في إنكارهم الذين لا يجديهم . الثالث تذكير أممهم بما عاملوا به رسلهم لأن في قولهم : إنك أنت علام الغيوب تعميما للتذكير بكل ما صدر من أممهم من تكذيب وأذى وعناد . ويقال لمن يسأل عن شيء لا أزيدك علما بذلك أو أنت تعرف ما جرى .
وإيراد الضمير المنفصل بعد الضمير المتصل لزيادة تقرير الخبر وتأكيده .
وعن ابن الأنباري تأويل قول الرسل ( لا علم لنا ) بأنهم نفوا أن يكونوا يعلمون ما كان من آخر الأمم بعد موت رسلهم من دوام على إقامة الشرائع أو التفريط فيها وتبديلها فيكون قول الرسل ( لا علم لنا ) محمولا على حقيقته ويكون محمل ( ماذا ) على قوله ( ماذا أجبتم ) هو ما أجابوا به من تصديق وتكذيب ومن دوام المصدقين على تصديقهم أو نقص ذلك ويعضد هذا التأويل ما جاء بعد هذا الكلام من قوله تعالى ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) وقول عيسى عليه السلام ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) الآية فإن المحاورة مع عيسى بعض من المحاورة مع بقية الرسل . وهو تأويل حسن .
وعبر في جواب الرسل ب ( قالوا ) المفيد للمضي مع أن الجواب لم يقع للدلالة على تحقيق أن سيقع حتى صار المستقبل من قوة التحقق بمنزلة الماضي في التحقق . على أن القول الذي تحكى به المحاورات لا يلتزم فيه مراعاة صيغته لزمان وقوعه لأن زمان الوقوع يكون قد تعين بقرينة سياق المحاورة .
وقرأ الجمهور ( الغيوب ) بضم الغين . وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بكسر الغين وهي لغة لدفع ثقل الانتقال من الضمة إلى الباء كما تقدم في بيوت في قوله تعالى ( فأمسكوهن في البيوت ) من سورة النساء .
وفصل ( قالوا ) جريا على طريقة حكاية المحاورات كما تقدم في قوله ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) في سورة البقرة .
وقوله ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ) ظرف هو بدل من ( يوم يجمع الله الرسل ) بدل اشتمال فإن يوم الجمع مشتمل على زمن هذا الخطاب لعيسى ولذلك لم تعطف هذه الجملة على التي قبلها . والمقصود من ذكر ما يقال لعيسى يومئذ هو تقريع اليهود والنصارى الذين ضلوا في شأن عيسى بين طرفي إفراط بغض وإفراط حب .
فقوله ( اذكر نعمتي عليك ) إلى قوله ( لا أعذبه أحدا من العالمين ) استئناس لعيسى لئلا يفزعه السؤال الوارد بعده بقوله ( أأنت قلت للناس ) الخ... وهذا تقريع لليهود وما بعدها تقريع للنصارى . والمراد من ( اذكر نعمتي ) الذكر بضم الذال وهو استحضار الأمر في الذهن . والأمر في قوله ( اذكر ) للامتنان إذ ليس عيسى بناس لنعم الله عليه وعلى والدته . ومن لازمه خزي اليهود الذين زعموا أنه ساحر مفسد إذ ليس السحر والفساد بنعمة يعدها الله على عبده . ووجه ذكر والدته هنا الزيادة من تبكيت اليهود وكمدهم لأنهم تنقصوها بأقذع مما تنقصوه .
والظرف في قوله ( إذ أيدتك بروح القدس ) متعلق ب ( نعمتي ) لما فيها من معنى المصدر أي النعمة الحاصلة في ذلك الوقت وهو وقت التأييد بروح القدس . وروح القدس هنا جبريل على الأظهر .
A E