والضالون جنس للفرق الذين حرفوا الديانات الحق عن عمد وعن سوء فهم وكلا الفريقين مذموم معاقب لأن الخلق مأمورون بإتباع سبيل الحق وبذل الجهد إلى إصابته . والحذر من مخالفة مقاصده . وإذ قد تقدم ذكر المغضوب عليهم وعلم أن الغضب عليهم لأنهم حادوا عن الصراط الذي هدوا إليه فحرموا أنفسهم من الوصول به إلى مرضاة الله تعالى وأن الضالين قد ضلوا الصراط فحصل شبه الاحتباك وهو أن كلا الفريقين نال حظا من الوصفين إلا أن تعليق كل وصف على الفريق الذي علق عليه يرشد إلى أن الموصوفين بالضالين هم دون المغضوب عليهم في الضلال فالمراد المغضوب عليهم غضبا شديدا لأن ضلالهم شنيع . فاليهود مثل للفريق الأول والنصارى من جملة الفريق الثاني كما ورد به الحديث عن النبي A في جامع الترمذي وحسنه . وما ورد في الأثر من تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى فهو من قبيل التمثيل بأشهر الفرق التي حق عليها هذان الوصفان فقد كان العرب يعرفون اليهود في خيبر والنضير وبعض سكان المدينة وفي عرب اليمن . وكانوا يعرفون نصارى العرب مثل تغلب وكلب وبعض قضاعة وكل أولئك بدلوا وغيروا وتنكبوا عن الصراط المستقيم الذي أرشدهم الله إليه وتفرقوا في بنيات الطرق على تفاوت في ذلك .
فاليهود تمردوا على أنبيائهم وأحبارهم غير مرة وبدلوا الشريعة عمدا فلزمهم وصف المغضوب عليهم وعلق بهم في آيات كثيرة . والنصارى ضلوا بعد الحواريين وأساءوا فهم معنى التقديس في عيسى عليه السلام فزعموه ابن الله على الحقيقة قال تعالى ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) . وفي وصف الصراط المسئول في قوله ( اهدنا الصراط ) بالمستقيم إيماء إلى أن الإسلام واضح الحجة قويم المحجة لا يهوي أهله إلى هوة الضلالة كما قال تعالى ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ) وقال ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) على تفاوت في مراتب إصابة مراد الله تعالى ولذلك قال النبي A " من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد " ولم يترك بيان الشريعة مجاري اشتباه بين الخلاف الذي تحيط به دائرة الإسلام والخلاف الذي يخرج بصاحبه عن محيط الإسلام قال تعالى ( إنك على الحق المبين ) . واختلف القراء في حركة هاء الضمير من قوله ( أنعمت عليهم ) وقوله ( غير المغضوب عليهم ) وما ضاهاهما من كل ضمير جمع وتثنية مذكر ومؤنث للغائب وقع بعد ياء ساكنة فالجمهور قرأوها بكسر الهاء تخلصا من الثقل لأن الهاء حاجز غير حصين فإذا ضمت بعد الياء فكان ضمتها قد وليت الكسرة أو الياء الساكنة وذلك ثقيل وهذه لغة قيس وتميم وسعد بن بكر . وقرأ حمزة عليهم وإليهم ولديهم فقط بضم الهاء وما عداها بكسر الهاء نحو إليهما وصياصيهم وهي لغة قريش والحجازيين . وقرأ يعقوب كل ضمير من هذا القبيل مما قبل الهاء فيه باء ساكنة بضم الهاء .
وقد ذكرنا هذا هنا فلا نعيد ذكره في أمثاله وهو مما يرجع إلى قواعد علم القراءات في هاء الضمير .
واختلفوا أيضا في حركة ميم ضمير الجمع الغائب المذكر في الوصل إذا وقعت قبل متحرك فالجمهور قرأوا ( عليهم غير المغضوب عليهم ) بسكون الميم وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وقالون في رواية عنه بضمة مشيعة ( غير المغضوب عليهمو ) وهي لغة لبعض العرب وعليها قول لبيد : " وهمو فوارسها وهم حكامها " فجاء باللغتين وقرأ ورش بضم الميم وإشباعها إذا وقع بعد الميم همز دون نحو ( غير المغضوب عليهم ) وأجمع الكل على إسكان الميم في الوقف .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة البقرة .
A E