كذا سميت هذه السورة سورة البقرة في المروي عن النبي A وما جرى في كلام السلف فقد ورد في الصحيح أن النبي A قال : من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه وفيه عن عائشة لما نزلت الآيات من آخر البقرة في الربا قرأهن رسول الله ثم قام فحرم التجارة في الخمر . ووجه تسميتها أنها ذكرت فيها قصة البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها لتكون آية ووصف سوء فهمهم لذلك وهي مما انفردت به هذه السورة بذكره وعندي أنها أضيفت إلى قصة البقرة تمييزا لها عن السور آل آلم من الحروف المقطعة لأنهم كانوا ربما جعلوا تلك الحروف المقطعة أسماء للسور الواقعة هي فيها وعرفوها بها نحو : طه ويس وص وفي الاتفاق عن المستدرك أن النبي A قال " إنها سنام القرآن " وسنام كل شيء أعلاه وهذا ليس علما لها ولكنه وصف تشريف . وكذلك قول خالد بن معدان إنها فسطاط القرآن والفسطاط ما يحيط بالمكان لإحاطتها بأحكام كثيرة .
نزلت سورة البقرة بالمدينة بالاتفاق وهي أول ما نزل في المدينة وحكى ابن حجر في شرح البخاري الاتفاق عليه وقيل نزلت سورة المطففين قبلها بناء على أن سورة المطففين مدنية ولا شك أن سورة البقرة فيها فرض الصيام والصيام فرض في السنة الأولى من الهجرة فرض فيها صوم عاشوراء ثم فرض صيام رمضان في السنة الثانية لأن النبي A صام سبع رمضانات أولها رمضان من العام الثاني من الهجرة . فتكون سورة البقرة نزلت في السنة الأولى من الهجرة في أواخرها أو في الثانية . وفي البخاري عن عائشة ما نزلت سورة البقرة إلا وأنا عنده " تعني النبي A " وكان بناء رسول الله على عائشة في شوال من السنة الأولى للهجرة . وقيل في أول السنة الثانية وقد روى عنها أنها مكثت عنده تسع سنين فتوفي وهي بنت ثمان عشرة سنة وبنى بها وهي بنت تسع سنين إلا أن اشتمال سورة البقرة على أحكام الحج والعمرة وعلى أحكام القتال من المشركين في الشهر الحرام والبلد الحرام ينبئ بأنها استمر نزولها إلى سنة خمس وسنة ست كما سنبينه عند آية ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ) وقد يكون ممتدا إلى ما بعد سنة ثمان كما يقتضيه قوله ( الحج أشهر معلومات ) الآيات إلى قوله ( لمن اتقى ) . على أنه قد قيل إن قوله ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) الآية هو آخر ما نزل من القرآن وقد بينا في المقدمة الثامنة أنه قد يستمر نزول السورة فتنزل في أثناء مدة نزولها سور أخرى .
وقد عدت سورة البقرة السابعة والثمانين في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة المطففين وقبل آل عمران .
وإذ قد كان نزول هذه السورة في أول عهد بإقامة الجامعة الإسلامية واستقلال أهل الإسلام بمدينتهم كان من أول أغراض هذه السورة تصفية الجامعة الإسلامية من أن تختلط بعناصر مفسدة لما أقام الله لها من الصلاح سعيا لتكوين المدينة الفاضلة النقية من شوائب الدجل والدخل .
وإذ كانت أول سورة نزلت بعد الهجرة فقد عني بها الأنصار وأكبوا على حفظها يدل لذلك ما جاء في السيرة أنه لما انكشف المسلمون يوم حنين قال النبي A للعباس " اصرخ يا معشر الأنصار يا أهل السمرة " يعني شجرة البيعة في الحديبية " يا أهل سورة البقرة " فقال الأنصار : لبيك لبيك يا رسول الله أبشر . وفي الموطأ قال مالك إنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها وفي صحيح البخاري : كان نصراني أسلم فقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي A ثم ارتد إلى آخر القصة .
وعدد آيها مائتان وخمس وثمانون آية عند أهل العدد بالمدينة ومكة والشام وست وثمانون عند أهل العدد بالكوفة وسبع وثمانون عند أهل العدد بالبصرة .
محتويات هذه السورة .
هذه السورة مترامية أطرافها وأساليبها ذات أفنان . قد جمعت من وشائج أغراض السور ما كان مصداقا لتلقيبها فسطاط القرآن . فلا تستطيع إحصاء محتوياتها بحسبان وعلى الناظر أن يترقب تفاصيل منها فيما يأتي لنا من تفسيرها ولكن هذا لا يحجم بنا عن التعرض إلى لائحات منها وقد حيكت بنسج المناسبات والاعتبارات البلاغية من لحمة محكمة في نظم الكلام وسدى متين من فصاحة الكلمات .
A E