ووصفه تعالى بالحكيم بمعنى المحكم للأمور . فالنقيب الموكول إليه تدبير القوم لأن ذلك يجعله باحثا عن أحوالهم ؛ فيطلق على الرئيس وعلى قائد الجيش وعلى الرائد ومنه ما في حديث بيعة العقبة أن نقباء الأنصار يومئذ كانوا اثني عشر رجلا .
والمراد بنقباء بني إسرائيل هنا يجوز أن يكونوا رؤساء جيوش ويجوز أن يكونوا روادا وجواسيس وكلاهما واقع في حوادث بني إسرائيل .
فأما الأول فيناسب أن يكون البعث معه بمعنى الإقامة وقد أقام موسى عليه السلام من بني إسرائيل اثني عشر رئيسا على جيش بني إسرائيل على عدد الأسباط المجندين فجعل لكل سبط نقيبا وجعل لسبط يوسف نقيبين ولم يجعل لسبط لاوي نقيبا لأن اللاويين كانوا غير معدودين في الجيش إذ هم حفظة الشريعة فقد جاء في أول سفر العدد : كلم الله موسى : أحصوا كل جماعة إسرائيل بعشائرهم بعدد الأسماء من ابن عشرين فصاعدا كل خارج للحرب في إسرائيل حسب أجنادهم تحسبهم أنت وهارون ويكون معكما رجل لكل سبط رؤوس ألوف إسرائيل وكلم الرب موسى قائلا : أما سبط لاوي فلا تعده بل وكل اللاويين على مسكن الشهادة وعلى جميع أمتعته " . وكان ذلك في الشهر الثاني من السنة الثانية من خروجهم من مصر في برية سينا .
وأما الثاني فيناسب أن يكون البعث فيه بمعناه الأصلي فقد بعث موسى اثني عشر رجلا من أسباط إسرائيل لاختبار أحوال الأمم التي حولهم في أرض كنعان وهم غير الاثني عشر نقيبا الذين جعلهم رؤساء على قبائلهم . ومن هؤلاء يوشع بن نون من سبط أفرايم وكالب بن يفنة من سبط يهوذا وهما الوارد ذكرهما في قوله تعالى ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب ) كما سيأتي في هذه السورة . وقد ذكرت أسماؤهم في الفصل الثالث عشر من سفر العدد . والظاهر أن المراد هنا النقباء الذين أقيموا لجند إسرائيل .
والمعية في قوله ( إني معكم ) معية مجازية تمثيل للعناية والحفظ والنصر قال تعالى ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ) وقال ( إنني معكما أسمع وأرى ) وقال ( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون خبير ) . والظاهر أن هذا القول وقع وعدا بالجزاء على الوفاء بالميثاق .
وجملة ( لئن أقمتم الصلاة ) استئناف محض ليس منها شيء يتعلق ببعض ألفاظ الجملة التي قبلها وإنما جمعهما العامل وهو فعل القول فكلتاهما مقول ولذلك يحسن الوقف على قوله ( إني معكم ) ثم يستأنف قوله ( لئن أقمتم الصلاة ) إلى آخره . ولام ( لئن أقمتم ) موطئة للقسم ولام ( لأكفرن ) لام جواب القسم ولعل هذا بعض ما تضمنه الميثاق كما أن قوله ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ) بعض ما شمله قوله ( إني معكم ) .
والمراد بالزكاة ما كان مفروضا على بني إسرائيل : من إعطائهم عشر محصولات ثمارهم وزرعهم مما جاء في الفصل الثامن عشر من سفر العدد والفصل الرابع عشر والفصل التاسع عشر من سفر التثنية . وقد مضى القول فيه عند قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) في سورة البقرة .
والتعزيز : النصر . يقال : عزره مخففا وعزره مشددا وهو مبالغة في عزره عزرا إذا نصره وأصله المنع لأن الناصر يمنع المعتدي على منصوره .
ومعنى ( وأقرضتم الله قرضا حسنا ) الصدقات غير الواجبة .
وتكفير السيئات : مغفرة ما فرط منهم من التعاصي للرسول فجعل الطاعة والتوبة مكفرتين عن المعاصي .
وقوله ( فقد ضل سواء السبيل ) أي فقد حاد عن الطريق المستقيم وذلك لا عذر للسائر فيه حين يضله لأن الطريق السوي لا يحوج السائر فيه إلى الروغان في ثنيات قد تختلط عليه وتفضي به إلى التيه في الضلال .
( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين [ 13 ] ) قوله ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ) قد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم وقوله فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات ) في سورة النساء .
A E