ويجوز أن تكون الإشارة إلى ما كان من عزم أهل مكة على الغدر بالمسلمين حين نزول المسلمين بالحديبية عام صلح الحديبية ثم عدلوا عن ذلك . وقد أشارت إليها الآية ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ) الآية . ويجوز أن تكون الإشارة إلى عزم أهل خيبر وأنصارهم من غطفان وبني أسد على قتال المسلمين حين حصار خيبر ثم رجعوا عن عزمهم وألقوا بأيديهم وهي التي أشارت إليها آية ( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ) . وعن قتادة : سبب الآية ما همت به بنو محارب وبنو ثعلبة يوم ذات الرقاع من الحمل على المسلمين في صلاة العصر فأشعر الله رسوله بذلك ونزلت صلاة الخوف وكف الله أيديهم عن المؤمنين .
وأما ما يذكر من غير هذا مما هم به بنو النضير من قتل النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءهم يستعينهم على دية العامريين فتآمروا على أن يقتلوه فأوحى الله إليه بذلك فخرج هو وأصحابه . وكذا ما يذكر من أن المراد قصة الأعرابي الذي اخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائل في منصرفه من إحدى غزاوته ؛ فذلك لا يناسب خطاب الذين آمنوا ولا يناسب قصة الأعرابي لأن الذي أهم بالقتل واحد لا قوم .
وبسط اليد مجاز في البطش قال تعالى ( ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) ويطلق على السلطة مجازا أيضا كقولهم : يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض وعلى الجود كما في قوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) . وهو حقيقة في محاولة الإمساك بشيء كما في قوله تعالى حكاية عن ابن آدم ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ) .
وأما كف اليد فهو مجاز عن الإعراض عن السوء خاصة ( وكف أيدي الناس عنكم ) .
والأمر بالتقوى عقب ذلك لأنها أظهر الشكر فعطف الأمر بالتقوى بالواو للدلالة على أن التقوى مقصودة لذاتها وأنها شكر لله بدلالة وقوع الأمر عقب التذكير بنعمة عظمى .
وقوله ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أمر لهم بالاعتماد على الله دون غيره . وذلك التوكل يعتمد امتثال الأوامر واجتناب المنهيات فناسب التقوى . وكان من مظاهره تلك النعمة التي ذكروا بها .
( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلوة وأتيتم الزكوة وأمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنت تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل [ 12 ] ) ناسب ذكر ميثاق بني إسرائيل عقب ذكر ميثاق المسلمين من قوله ( وميثاقه الذي واثقكم به ) تحذيرا من أن يكون ميثاقنا كميثاقهم . ومحل الموعظة هو قوله ( فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) . وهكذا شأن القرآن في التفنن ومجيء الإرشاد في قالب القصص والتنقل من أسلوب إلى أسلوب .
وتأكيد الخبر الفعلي بقد وباللام للاهتمام به كما يجيء التأكيد بإن للاهتمام وليس ثم متردد ولا منزل منزلته .
وذكر مواثيق بني إسرائيل تقدم في سورة البقرة .
والبعث أصله التوجيه والإرسال ويطلق مجازا على الإقامة والإنهاض كقوله ( من بعثنا من مرقدنا وقوله فهذا يوم البعث ) . ثم شاع هذا المجاز حتى بني عليه مجاز آخر بإطلاقه على الإقامة المجازية ( إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) ثم أطلق على إثارة الأشياء وإنشاء الخواطر في النفس . قال متمم بن نويرة : .
" فقلت لهم إن الأسى يبعث الأسى أي أن الحزن يثير حزنا آخر . وهو هنا يحتمل المعنى الأول والمعنى الثالث .
والعدول عن طريق الغيبة من قوله ( ولقد أخذ الله ) إلى طريق التكلم في قوله ( وبعثنا ) التفات .
والنقيب فعيل بمعنى فاعل : إما من نقب إذا حفر مجازا أو من نقب إذا بعث ( فنقبوا في البلاد ) وعلى الأخير يكون صوغ فعيل منه على خلاف القياس وهو وارد كما صيغ سميع من أسمع في قول عمرو بن معد يكرب : .
" أمن ريحانة الداعي السميع أي المسمع .
A E