ونطاعن الأعداء عن أبنائنا ... وعلى بصائرنا وإن لم نبصر A E أي نطاعن على حقائقنا : أي لحماية الحقيقة ومن هذا الباب قوله تعالى ( أمسك عليك زوجك ) وقوله A " ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " .
ومعنى الآية إباحة أكل ما صاده الجوارح : من كلاب وفهود وسباع طير : كالبزاة والصقور إذا كانت معلمة وأمسكت بعد إرسال الصائد . وهذا مقدار اتفق علماء الأمة عليه وإنما اختلفوا في تحقق هذه القيود .
فأما شرط التعليم فاتفقوا على أنه إذا أشلي فانشلى فاشتد وراء الصيد وإذا دعي فأقبل وإذا زجر فانزجر وإذا جاء بالصيد إلى ربه أن هذا معلم . وهذا على مراتب التعلم . ويكتفي في سباع الطير بما دون ذلك : فيكتفي فيها بأن تؤمر فتطيع . وصفات التعليم راجعة إلى عرف أهل الصيد وأنه صار له معرفة وبذلك قال مالك وأبو حنيفة والشافعي : ولا حاجة إلى ضبط ذلك بمرتين أو ثلاث خلافا لأحمدن وأبي يوسف ومحمد .
وأما شرط الإمساك لأجل الصائد : فهو يعرف بإمساكها الصيد بعد إشلاء الصائد إياها وهو الإرسال من يده إذا كان مشدودا أو أمره إياها بلفظ اعتادت أن تفهم منه الأمر كقوله " هذا لك " لأن الإرسال يقوم مقام نية الذكاة . ثم الجارح ما دام في استرساله معتبر حتى يرجع إلى ربه بالصيد . واختلفوا في أكل الجارح من الصيد قبل الإتيان به إلى ربه هل يبطل حكم الإمساك على ربه : فقال جماعة من الصحابة والتابعين : إذا أكل الجارح من الصيد لم تؤكل البقية ؛ لأنه إنما أمسك على نفسه لا على ربه . وفي هذا المعنى حديث عدي بن حاتم في الصحيح : أنه سأل رسول الله A عن الكلب فقال " وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه " . وبه أخذ الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق . وقال جماعة من الصحابة : إذا أكل الجارح لم يضر أكله ويؤكل ما بقي . وهو قول مال وأصحابه : لحديث أبي ثعلبة الخشني في كتاب أبي داود : أنه سأل رسول الله A فقال " وإن أكل منه " . ورام بعض أصحابنا أن يحتج لهذا بقوله تعالى ( مما أمسكن عليكم ) حيث جاء بمن المفيدة للتبعيض المؤذنة بأنه يؤكل إذا بقي بعضه وهو دليل واه فقد ذكرنا آنفا أن ( من ) تدخل على الاسم في مثل هذا وليس المقصود التبعيض والكلب أو الجارح إذا أشلاه القناص فانشلى وجاء بالصيد إلى ربه فهو قد أمسكه عليه وإن كان قد أكل منه فقد يأكل لفرط جوع أو نسيان . ونحا بعضهم في هذا إلى تحقيق أن أكل الجارح من الصيد هل يقدح في تعليمه والصواب أن ذلك لا يقدح في تعليمه إذا كانت أفعاله جارية على وفق أفعال الصيد وإنما هذا من الفلتة أو من التهور . ومال جماعة إلى الترخيص في ذلك في سباع الطير خاصة لأنها لا تفقه من التعليم ما يفقه الكلب وروي هذا عن ابن عباس وحماد والنخعي وأبي حنيفة وأبي ثور .
وقد نشأ عن شرط تحقق إمساكه على صاحبه مسألة لو أمسك الكلب أو الجارح صيدا لم يره صاحبه وتركه ورجع دونه ثم وجد الصائد بعد ذلك صيدا في الجهة التي كان يجوسها الجارح أو عرف أثر كلبه فيه ؛ فعن مالك : لا يؤكل وعن بعض أصحابه : يؤكل . وأما إذا وجد الصائد سهمه في مقاتل الصيد فإنه يؤكل لا محالة .
وأحسب أن قوله تعالى ( مما أمسكن عليكم ) احتراز عن أن يجد أحد صيدا لم يصده هو ولا رأى الجارح حين أمسكه لأن ذلك قد يكون موته على غير المعتاد فلا يكون ذكاة وأنه لا يحرم على من لم يتصد للصيد أن يأكل صيدا رأى كلب غيره حين صاده إذا لم يجد الصائد قريبا أو ابتاعه من صائده أو استعطاه إياه .
وقوله ( واذكروا اسم الله عليه ) أمر بذكر الله على الصيد ومعناه أن يذكره عند الإرسال لأنه قد يموت بجرح الجارح وأما إذا أمسكه حيا فقد تعين ذبحه فيذكر اسم الله عليه حينئذ . ولقد أبدع إيجاز كلمة ( عليه ) ليشمل الحالتين . وحكم نسيان التسمية وتعمد تركها معلوم من كتب الفقه والخلاف والدين يسر .
A E