والظاهر أن علة تحريمه القذارة : لأنه يكتسب رائحة كريهة عند لقائه الهواء ولذلك قال كثير من الفقهاء بنجاسة عينه ولا تعرض في الآية لذلك أو لأنه يحمل ما في جسد الحيوان من الأجزاء المضرة التي لا يحاط بمعرفتها أو لما يحدثه تعود شرب الدم من الضراوة التي تعود على الخلق الإنساني بالفساد . وقد كانت العرب تأكل الدم فكانوا في المجاعات يفصدون من إبلهم ويخلطون الدم بالوبر ويأكلونه يسمونه العلهز بكسر العين والهاء وكانوا يملأون المصير بالدم ويشوونها ويأكلونها وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ) في سورة البقرة .
وإنما قال ( ولحم الخنزير ) ولم يقل والخنزير كما قال ( وما أهل لغير الله به ) إلى آخر المعطوفات . ولم يذكر تحريم الخنزير في جميع آيات القرآن إلا بإضافة لفظ لحم إلى الخنزير . ولم يأت المفسرون في توجيه ذلك بوجه ينثلج له الصدر . وقد بينا ذلك في نظير هذه الجملة من سورة البقرة . ويبدو لي أن إضافة لفظ لحم إلى الخنزير للإيماء إلى أن المحرم أكل لحمه لأن اللحم إذا ذكر له حكم فإنما يراد به أكله . وهذا إيماء إلى أن ما عدا أكل لحمه من أحوال استعمال أجزائه هو فيها كسائر الحيوان في طهارة شعره إذا انتزع منه في حياته بالجز وطهارة عرقه وطهارة جلده بالدبغ إذا اعتبرنا الدبغ مطهرا جلد الميتة اعتبارا بأن الدبغ كالذكاة . وقد روي القول بطهارة جلد الخنزير بالدبغ عن داود الظاهري وأبي يوسف أخذا بعموم قوله A " أيما إهاب دبغ فقد طهر " رواه مسلم والترمذي عن ابن عباس .
وعلة تحريم الخنزير أن لحمه يشتمل على جراثيم مضرة لا تقتلها حرارة النار عند الطبخ فإذا وصلت إلى دم آكله عاشت في الدم فأحدثت أضرارا عظيمة منها مرض الديدان التي في المعدة .
( وما أهل لغير الله به ) هو ما سمي عليه عند الذبح اسم غير الله . والإهلال : الجهر بالصوت ومنه الإهلال بالحج وهو التلبية الدالة على الدخول في الحج ومنه استهل الصبي صارخا . قيل : ذلك مشتق من اسم الهلال لأن العرب كانوا إذا رأوا هلال أول ليلة من الشهر رفعوا أصواتهم بذلك ليعلم الناس ابتداء الشهر ويحتمل عندي أن يكون اسم الهلال قد اشتق من جهر الناس بالصوت عند رؤيته . وكانوا إذا ذبحوا القرابين للأصنام نادوا عليها باسم الصنم فقالوا : باسم اللات باسم العزى .
( والمنخنقة ) هي التي عرض لها ما يخنقها . والخنق : سد مجاري النفس بالضغط على الحلق أو بسده وقد كانوا يربطون الدابة عند خشبة فربما تخبطت فانخنقت ولم يشعروا بها ولم يكونوا يخنقونها عند إرادة قتلها . ولذلك قيل هنا : المنخنقة ولم يقل المخنوقة بخلاف قوله ( والموقوذة ) فهذا مراد ابن عباس بقوله : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة وغيرها فإذا ماتت أكلوها .
وحكمة تحريم المنخنقة أن الموت بانحباس النفس يفسد الدم باحتباس الحوامض الفحمية الكائنة فيه فتصير أجزاء اللحم المشتمل على الدم مضرة لآكله .
( والموقوذة ) : المضروبة بحجر أو عصا ضربا تموت به دون إهراق الدم وهو اسم مفعول من وقذ إذا ضرب ضربا مثخنا . وتأنيث هذا الوصف لتأويله بأنه وصف بهيمة . وحكمة تحريمها تماثل حكمة تحريم المنخنقة .
( والمتردية ) : هي التي سقطت من جبل أو سقطت في بئر ترديا تموت به والحكمة واحدة .
( والنطيحة ) فعيلة بمعنى مفعولة . والنطح ضرب الحيوان ذي القرنين بقرنيه حيوانا آخر . والمراد التي نطحتها بهيمة أخرى فماتت .
وتأنيث النطيحة مثل تأنيث المنخنقة وظهرت علامة التأنيث في هذه الأوصاف وهي من باب فعيل بمعنى مفعول لأنها لم تجر على موصوف مذكور فصارت بمنزلة الأسماء .
( وما أكل السبع ) : أي بهيمة أكلها السبع والسبع كل حيوان يفترس الحيوان كالأسد والنمر والضبع والذئب والثعلب فحرم على الناس كل ما قتله السبع لأن أكيلة السبع تموت بغير سفح الدم غالبا بل بالضرب على المقاتل .
A E