تعليل للنهي الذي في قوله ( ولا يجر منكم شنآن قوم ) . وكان مقتضى الظاهر أن تكون الجملة مفصولة ولكنها عطفت : ترجيحا لما تضمنته من التشريع على ما اقتضته من التعليل يعني : أن واجبكم أن تتعاونوا بينكم على فعل البر والتقوى وإذا كان هذا واجبهم فيما بينهم كان الشأن أن يعينوا على البر والتقوى لأن التعاون عليها يكسب محبة تحصيلها فيصير تحصيلها رغبة لهم فلا جرم أن يعينوا عليها كل ساع إليها . ولو كان عدوا والحج بر فأعينوا عليه وعلى التقوى فهم وإن كانوا كفارا يعاونون على ما هو بر : لأن البر يهدي للتقوى فلعل تكرر فعله يقربهم من الإسلام . ولما كان الاعتداء على العدو إنما يكون بتعاونهم عليه نبهوا على أن التعاون لا ينبغي أن يكون صدا عن المسجد الحرام وقد أشرنا إلى ذلك آنفا ؛ فالضمير والمفاعلة في ( تعاونوا ) للمسلمين أي ليعن بعضكم بعضا على البر والتقوى . وفائدة التعاون تيسير العمل وتوفير المصالح وإظهار الاتحاد والتناصر حتى يصبح ذلك خلقا للأمة . وهذا قبل نزول قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا .
وقوله ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) تأكيد لمضمون ( وتعاونوا على البر والتقوى ) لأن الأمر بالشيء وإن كان يتضمن النهي عن ضده فالاهتمام بحكم الضد يقتضي النهي عنه بخصوصه . والمقصود أنه يجب أن يصد بعضكم بعضا عن ظلم قوم لكم نحوهم شنآن .
وقوله ( واتقوا الله ) الآية تذييل . وقوله ( شديد العقاب ) تعريض بالتهديد .
( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب ) استئناف بياني ناشئ عن قوله ( أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم ) فهو بيان لما ليس بحلال من الأنعام .
ومعنى تحريم هذه المذكورات تحريم أكلها لأنه المقصود من مجموع هذه المذكورات هنا وهي أحوال من أحوال الأنعام تقتضي تحريم أكلها . وأدمج فيها نوع من الحيوان ليس من أنواع الأنعام وهو الخنزير لاستيعاب محرمات الحيوان . وهذا الاستيعاب دليل لإباحة ما سوى ذلك إلا ما ورد في السنة من تحريم الحمر الأهلية على اختلاف بين العلماء في معنى تحريمها والظاهر أنه تحريم منظور فيه إلى حالة لا إلى الصنف . وألحق مالك بها الخيل والبغال قياسا وهو من قياس الأدون ولقول الله تعالى إذ ذكرها في معرض الامتنان ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) . وهو قول أبي حنيفة خلافا لصاحبيه وهو استدلال لا يعرف له نظير في الدلالة الفقهية . وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد : يجوز أكل الخيل . وثبت في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر قالت : ذبحنا فرسا على عهد رسول الله فأكلناه . ولم يذكر أن ذلك منسوخ . وعن جابر ابن عبد الله أن النبي A نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل .
وأما الحمر الأهلية فقد ورد في الصحيح أن النبي A نهى عن أكلها في غزوة خيبر . فقيل : لأن الحمر كانت حمولتهم في تلك ا لغزاة . وقيل : نهى عنها أبدا . وقال ابن عباس بإباحتها . فليس لتحريم هذه الثلاثة على الإطلاق وجه بين من الفقه ولا من السنة .
والميتة الحيوان الذي زالت منه الحياة والموت حالة معروفة تنشأ عن وقوف حركة الدم باختلال عمل أحد الأعضاء الرئيسية أو أكلها . وعلة تحريمها أن الموت ينشأ عن علل يكون معظمها مضرا بسبب العدوى وتمييز ما يعدي عن غيره عسير ولأن الحيوان الميت لا يدرى غالبا مقدار ما مضى عليه في حالة الموت فربما مضت مدة تستحيل معها منافع لحمه ودمه مضار فنيط الحكم بغالب الأحوال وأضبطها .
والدم هنا هو الدم المهراق أي المسفوح وهو الذي يمكن سيلانه كما صرح به في آية الأنعام حملا لمطلق هذه الآية على مقيد آية الأنعام وهو الذي يخرج من عروق جسد الحيوان بسبب قطع العرق وما عليه من الجلد وهو سائل لزج أحمر اللون متفاوت الحمرة باختلاف السن واختلاف أصناف العروق .
A E