تصريح بمفهوم قوله ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) لقصد تأكيد الإباحة . فالأمر فيه للإباحة وليس هذا من الأمر الوارد بعد النهي لأن تلك المسألة مفروضة في النهي عن شيء نهيا مستمرا ثم الأمر به كذلك وما هنا : إنما هو نهي مؤقت وأمر في بقية الأوقات فلا يجري هنا ما ذكر في أصول الفقه من الخلاف في مدلول صيغة الأمر الوارد بعد حظر : أهو الإباحة أو الندب أو الوجوب . فالصيد مباح بالإباحة الأصلية وقد حرم في حالة الإحرام . فإذا انتهت تلك الحالة رجع إلى إباحته .
( واصطادوا ) صيغة افتعال استعملت في الكلام لغير معنى المطاوعة التي هي مدلول صيغة الافتعال في الأصل فاصطاد في كلامهم مبالغة في صاد . ونظيره : اضطره إلى كذا . وقد نزل ( اصطادوا ) منزلة فعل لازم فلم يذكر له مفعول .
( ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) عطف على قوله ( لا تحلوا شعائر الله ) لزيادة تقرير مضمونه أي لا تحلوا شعائر الله ولو مع عدوكم إذا لم يبدأوكم بحرب .
ومعنى ( يجر منكم ) يكسبنكم يقال : جرمه يجرمه مثل ضرب . وأصله كسب . من جرم النخلة إذا جذ عراجينها فلما كان الجرم لأجل الكسب شاع إطلاق جرم بمعنى كسب قالوا : جرم فلان لنفسه كذا أي كسب .
وعدي إلى مفعول ثان وهو ( أن تعتدوا ) والتقدير : يكسبكم الشنآن الاعتداء . وأما تعديته بعلى في قوله ( ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ) فلتضمينه معنى يحملنكم .
والشنآن بفتح الشين المعجمة وفتح النون في الأكثر وقد تسكن النون إما أصالة وإما تخفيفا هو البغض . وقيل : شدة البغض وهو المناسب لعطفه على البغضاء في قول الأحوض : .
" أنمي على البغضاء والشنآن وهو من المصادر الدالة على الاضطراب والتقلب لأن الشنآن فيه اضطراب النفس فهو مثل الغليان والنزوان .
وقرأ الجمهور : ( شنآن ) بفتح النون . وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بسكون النون . وقد قيل : إن ساكن النون وصف مثل غضبان أي عدو فالمعنى : لا يجر منكم عدو قوم فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف . وإضافة شنآن إذا كان مصدرا من إضافة المصدر إلى مفعوله أي بغضكم قوما بقرينة قوله ( أن صدوكم ) لأن المبغض في الغالب هو المعتدى عليه .
وقرأ الجمهور : ( أن صدوكم ) بفتح همزة ( أن ) . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب : بكسر الهمزة على أنها ( إن ) الشرطية فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبل الشرط .
والمسجد الحرام اسم جعل علما بالغلبة على المكان المحيط بالكعبة المحصور ذي الأبواب وهو اسم إسلامي لم يكن يدعى بذلك في الجاهلية لأن المسجد مكان السجود ولم يكن لأهل الجاهلية سجود عند الكعبة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) في سورة البقرة وسيأتي عند قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) .
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب [ 2 ] ) A E