وقوله ( ولا آمين البيت الحرام ) عطف على ( شعائر الله ) : أي ولا تحلوا قاصدي البيت الحرام وهم الحجاج فالمراد قاصدوه لحجة لأن البيت لا يقصد إلا للحج ولذلك لم يقل : ولا أمين مكة لأن من قصد مكة قد يقصدها لتجر ونحوه لأن من جملة حرمة البيت حرمة قاصدة . ولا شك أن المراد آمين البيت من المشركين ؛ لأن آمين البيت من المؤمنين محرم أذاهم في حالة قصد البيت وغيرها من الأحوال . وقد روي ما يؤيد هذا في أسباب النزول : وهو أن خيلا من بكر بن وائل وردوا المدينة وقائدهم شريح بن ضبيعة الملقب بالحطم " بوزن زفر " والمكنى أيضا بابن هند نسبة إلى أمه هند بنت حسان بن عمرو بن مرثد وكان الحطم هذا من بكر بن وائل من نزلاء اليمامة فترك خيله خارج المدينة ودخل إلى النبي A فقال " إلام تدعو " فقال رسول الله " إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " . فقال " حسن ما تدعو إليه وسأنظر ولعلي أن أسلم وأرى في أمرك غلظة ولي من ورائي من لا أقطع أمرا دونهم " وخرج فمر بسرح المدينة فاستاق إبلا كثيرة ولحقه المسلمون لما أعلموا به فلم يلحقوه وقال في ذلك رجزا وقيل : الرجز لأحد أصحابه وهو رشيد بن رميض العنزي وهو : .
هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم .
ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزار على ظهر وضم .
باتوا نياما وابن هند لم ينم ... بات يقاسيها غلام كالزلم .
" خدلج الساقين خفاق القدم ثم أقبل الحطم في العام القابل وهو عام القضية فسمعوا تلبية حجاج اليمامة فقالوا : هذا الحطم وأصحابه ومعهم هدي هو مما نهبه من إبل المسلمين فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهبهم فنزلت الآية في النهي عن ذلك . فهي حكم عام نزل بعد ذلك القضية وكان النهي عن التعرض لبدن الحطم مشمولا لما اشتملت عليه هذه الآية .
والبيت الحرام هو الكعبة . وسيأتي بيان وصفه بهذا الوصف عند قوله ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ) في هذه السورة . وجملة ( يبتغون فضلا من ربهم ) صفة ل ( آمين ) من قصدهم ابتغاء فضل الله ورضوانه وهو الذين جاءوا لأجل الحج إيماء إلى سبب حرمة آمي البيت الحرام .
وقد نهى الله عن التعرض للحجيج بسوء لأن الحج ابتغاء فضل الله ورضوانه وقد كان أهل الجاهلية يقصدون منه ذلك قال النابغة : .
حياك ربي فإنا لا يحل لنا ... لهو النساء وإن الدين قد عزما .
مشمرين على خوص مزممة ... نرجو الإله ونرجو البر والطعما ويتنزهون عن فحش الكلام قال العجاج : .
ورب أسراب حجيج كظم ... عن اللغا ورفث التكلم ويظهرون الزهد والخشوع قال النابغة : .
بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزرن إلالا سيرهن التدافع A E .
عليهن شعث عامدون لربهم ... فهن كأطراف الحني خواشع ووجه النهي عن التعرض للحجيج بسوء وإن كانوا مشركين : أن الحالة التي قصدوا فيها الحج وتلبسوا عندها بالإجرام حالة خير وقرب من الإيمان بالله وتذكر نعمه فيجب أن يعانوا على الاستكثار منها لأن الخير يتسرب إلى النفس رويدا كما أن الشر يتسرب إليها كذلك ولذلك سيجيء عقب هذه الآية قوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .
والفضل : خير الدنيا وهو صلاح العمل . والرضوان : رضى الله تعالى عنهم . وهو ثواب الآخرة وقيل : أراد بالفضل الربح في التجارة وهذا بعيد أن يكون هو سبب النهي إلا إذا أريد تمكينهم من إبلاغ السلع إلى مكة .
( وإذا حللتم فاصطادوا )