- حديث الرجم .
وبه ( عن علقمة عن أبي بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك ) وهو الأسلمي معدود في الكوفيين وهو الذي رجمه النبي صلى الله عليه وسلّم .
وروى عنه عبد الله حديثا واحدا كذا ذكره صاحب المشكاة في أسماء رجاله ( أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : إن الآخر ) أي المتأخر عن الخير وفي معناه الأبعد كما في رواية : وهو كناية عن نفسه بوصف ذمه لارتكاب ( جرمه قد زنى فأقم عليه الحد فرده رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم أتاه الثانية ) أي في يوم أو في غده ( فقال له مثل ذلك ) أي من الإقرار والرد كما فعل هنالك ( ثم أتاه الثالثة والرابعة فقال : إن الآخر قد زنى فأقم عليه الحد فسأل عنه ) أي عن حاله ( أصحابه ) أي أصحابه المخصوصين به العارفين بكسبه ( هل تنكرون من عقله ) أي شيئا من حاله فيكون مجنونا مخبوطا أو معتوها ( قالوا : لا قال : انطلقوا به فارجموا ) وذلك لأنه كان محصنا .
( قال ) : أي الراوي ( فانطلق به ) بصيغة المجهول ( فرجم بالحجارة ) لكن ذلك المقام قليل الحجارة فأتم له الرجم وحصل له زيادة الغم ( فلما أبطأ عليه القتل ) أي الموت بالرجم ( انصرف ) أي عن ذلك المكان ( إلى مكان كثير الحجارة ) تهوينا عليه وتسهيلا لمن حضر لديه في رجمهم إليه فقام فيه إتمام رجمه ( فأتاه المسلمون ) أي فتبعوه ( فرجموه بالحجارة حتى قتلوه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : هلا خليتم سبيله ) أي هلا تركتم رجمه حين انصرف من محله فيه إشعار بأنه لو رجع عن إقراره قبل الجلد أو بعد ما أقيم عليه بعض حده سقط كما هو مذهبنا وهو المسطور في كتب الشافعية .
وعن أحمد كقوله : وعن مالك في قبول رجوعه روايتان وعدم قبوله هو قول ابن أبي ليلى .
ولنا أن الرجوع خبر يحتمله الصدق وليس أحد يكذبه فيه فيستحق به الشبهة في الإقرار السابق عليه فيندرىء بالشبهة لأنه أرجح من الإقرار السابق .
هذا ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع لقوله E لماعز : لعلك مسستها لعلك قبلتها .
وعند البخاري : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ( فاختلف الناس فيه ) أي في حقه من جهة قدحه ومدحه ( فقال قائل : هذا ماعز أهلك نفسه ) أي تسبب لهلاك نفسه بعدم ستره في ما وقع له من أمره ( وقال قائل : ) أي منهم النبي صلى الله عليه وسلّم كما في رواية ( أنا أرجو أن يكون ) أي ما فعل في حقه ( توبة ) أي عظيمة مقبولة ( لو تابها ) أي لو تاب مثل هذه التوبة ( فئام ) بكسر الفاء فهمزة وقد يبدل ياء أي جماعات ( من الناس يقبل منهم ) بصيغة المجهول . ( فلما بلغ ذلك ) الكلام الصادر عنه E ( قومه وطعموا فيه ) أي في حقه من الثواب ( فسألوا النبي صلى الله عليه وسلّم ما يصنع بجسده ) بصيغة المجهول أو بالمتكلم مع الغير معروفا قال اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الكفن ) أي من التكفين ( والصلاة عليه ) أي بعد غسله ( والدفن ) في قبور المسلمين ( قال : فانطلق به أصحابه ) أي قومه كما في رواية ( فصلوا ) وفي صحيح البخاري من حديث جابر في أمر ماعز قال : ثم أمر به فرجم فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم خيرا وصلى عليه ورواه الترمذي وقال هذا حسن صحيح ورواه غير واحد منهم أبو داود وصححوه .
وأما ما رواه أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي أنه E لم يصل على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه ففيه مجاهيل نعم حديث جابر في الصحيحين في ماعز وقال له خيرا ولم يصل عليه معارض صريح في صلاته عليه ولكن المثبت أولى من النافي .
وأما صلاته E على الغامدية فأخرجه الستة إلا البخاري من عمران بن الحصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلّم وهي حبلى من الزنا فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي الحديث بطوله إلى أن قال : ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر : أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال : لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جاءت إليه بنفسها .
( وفي رواية ) أي لأبي حنيفة ( قال ) أي بريدة ( أتى ماعز بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأقر بالزنا فرده ثم عاد فأقر بالزنا فرده ثم عاد فأقر بالزنا فرده ثم عاد الرابعة ) أي في المرة الرابعة ( فسأل النبي صلى الله عليه وسلّم ) أي أصحابه عن حاله ( هل تنكرون من عقله شيئا ) أي من خلله ( قالوا : لا قال : فأمر به ) أي أن يرجم ( فرجم موضع قليل من الحجارة قال ) أي الراوي ( فأبطأ عليه الموت فانطلق يسعى ) أي يسرع ( إلى موضع كثير الحجارة واتبعه ) بتشديد التاء أي تبعه ولحقه ( الناس فرجموه حتى قتلوه ثم ذكروا شأنه ) أي حاله وما صنع من ذهابه ( لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ) متعلق بذكروا ( فقال : لولا خليتم سبيله قال : فاستأذن قوم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في دفنه والصلاة عليه ) أي بعد غسله والواو لمجرد الجمعية ( فأذن لهم في ذلك قال ) أي الراوي ( وقال E : لقد تاب ) أي ماعز ( توبة لو تابها فئام من الناس قبل منهم ) .
( وفي رواية : قال ) : أي الراوي وهو بريدة ( لما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بماعز بن مالك أن يرجم قام في موضع قليل الحجارة فأبطأ عليه القتل فذهب به ) أي بنفسه ( مكانا كثير الحجارة واتبعه الناس ) أي ورجموه ( حتى رجموه ) أي أتموا رجمه يعني قتلوه ( فبلغ ذلك ) أي خبر ذهابه ( النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : ألا ) بفتح الهمزة وتشديد اللام لغة في هلا ( خليتم سبيله ) واستدل به على إخراجه إلى أرض من فضاء .
وفي الحديث الصحيح : فرجمناه يعني ماعزا بالمصلى .
وفي مسلم وأبي داود فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد وكأن المصلى كان به لأن المراد به مصلى الجنازة فيتفق الحديثان وأما ما في الترمذي من قوله : فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فإن لم يتناول كمل على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج إلى الحرة وإلا فهو غلط لأن الصحاح والحسان متظافرة على أنه صار إليها هاربا لا أنه ذهب إليها ابتداء ليرجم بها ولأن الرجم بين الجدران يوجب عدوا من بعض الناس للبعض للضيق .
( وفي رواية : قال : لما هلك ) أي مات ( ماعز بن مالك بالرجم اختلف الناس فيه ) أي في ذمه ومدحه ( فقال قائل : هلك ماعز ) أي بارتكاب ذنبه ( وأهلك نفسه ) بعدم ستره ( وقال قائل تاب ) أي وله حسن مآب ( فبلغ ذلك ) أي ما ذكراه من نوعي الجواب ( رسول الله A فقال : لقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس ) أي عشار ظالم متعد بالجور على الناس ( لقبل منه أو تابها فئام الناس لقبل منهم ) وأو إما للشك الراوي أو للتنويع المروي .
( وفي رواية قال : جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله A وهو جالس ) جملة حالية وفائدة ذكرها التنبيه على تنبيه الراوي بالقضية ( فقال : يا رسول الله إني زنيت فأقم الحد علي فأعرض عنه النبي A ففعل ذلك أربع مرات كل ذلك ) أي في كل المراتب هنالك ( يرده النبي A ويعرض عنه ) أي عن الحكم في حقه ( فقال في الرابعة : أنكرتم ) بهمزة الاستفهام أو بتقديرها في الكلام ( من عقل هذا شيئا ؟ قالوا : ما نعلم ) أي ما نعرفه موصوفا بحال ( إلا عاقلا وما نعلم ) أي في أفعاله ( إلا خيرا : قال : فاذهبوا به فارجموه . قال : فذهبوا به فأتوا به في مكان قليل الحجارة فلما أصابته الحجارة جزع ) أي حين أبطأ عليه الموت ( قال ) أي الراوي ( فخرج ) أي فذهب ( يشتد ) أي أسرع في المشي ( حتى أتى الحرة ) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وهي موضع كثير الحجارة خارج المدينة ( فثبت لهم ) أي وقف لرجمهم قال : أي الراوي ( فرموه بجلاميد بيدها ) بفتح الجيم وجمع الجلمود وهو الصخر كالجمة ( حتى سكت ) أي مات ( قال ) : أي الراوي ( فقالوا ) أي بعض أصحابه ( يا رسول الله ماعز حين أصابته الحجارة جزع فخرج يشتد فقال النبي A : " لولا خليتم سبيله " قال ) : أي الراوي ( فاختلف الناس في أمره فقالت طائفة : هلك ماعز ) أي بالإصرار ( وأهلك نفسه ) أي بالإقرار فذموه بعدم ستره على نفسه أي بالإقرار وأنه ممن قال تعالى فيه { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ( 1 ) فأخطأوا في اجتهادهم في شأنه ( وقالت طائفة : بل تاب الى الله توبة ) أي مقبولة ( لو تابها فئام من الناس لقبل منهم ) أي فأصابوه ووافقهم E في مقالهم ( قالوا : يا رسول الله فما نصنع به ) أي هل نصنع به ما نصنع بالكفار بلفه في خرقة وستره في حفرة أو نصنع به ما نصنع بالأبرار من تكفينه وغسله والصلاة عليه ودفنه في قبور المسلمين وإنما سألوه لأنه كان أول قضية ( قال : اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط ) أي أنواع الطيب والصلاة عليه والدفن فإنه من التائبين .
ولكون الزنا وغيره من الكبائر ما يخرج صاحبه من الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة من المبتدعة .
وقد روي هذا الحديث بروايات مختلفة أي وعبارات مؤتلفة نحو ما تقدم أي في معناه وإن اختلف مبناه منها ما أخرجه أبو داود وعبد الرزاق في مصنفه بعد قوله فيعرض عنه فأقبل في الخامسة فقال : أنكتها قال نعم قال : حتى غاب ذلك منك إلى ذلك منها قال نعم كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البير قال : نعم قال : فهل تدري ما الزنا ؟ قال : نعم أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال : فما تريد بهذا القول ؟ قال : أريد أن تطهرني فأمر به فرجم فسمع النبي A رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه : انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم ساره ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجليه فقال : أين فلان وفلان ؟ فقالا : نحن ذان يا رسول الله فقال : أقبلا وكلا من جيفة الحمار فقال : أو من يأكل من هذا يا رسول الله ؟ قال : فما نلتما من عرض أخيكما أنفا أشد من أكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة يتغمس فيها واستدل بهذا الحديث على استفسار المقر وكذا الشاهد عن الكيفية ومنها ما أخرجه أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال : كان ماعز بن مالك في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي : إيت رسول الله A فأخبره بما صنعت لعله أن يستغفر لك فأتاه فقال : يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه فعاد حتى قالها أربع مرات فقال E إنك قد قلتها أربع مرات فيمن قال بفلانة ؟ قال : هل ضاجعتها قال : نعم قال : هل جامعتها ؟ قال : نعم قال : هل باشرتها ؟ قال : نعم فأمر به أن يرجم فأخرج إلى الحرة فلما وجد من الحجارة خرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي A وذكر ذلك له فقال له : هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه .
ورواه عبد الرزاق في مصنفه وقال فيه : فأمر به أن يرجم فلم يقتل حتى رماه عمر بن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله واستدل به على استفسار المزنية ثم اعلم أن الحكم قد اختلف في اشتراط تعدد الإقرار فنفاه الحسن وحماد بن سليمان ومالك والشافعي وأبو ثور .
واستدل بحديث العسيف حيث قال E : اغده يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يقل أربع مرات ولأن الغامدية لم تقر أربعا وإنما ورد ماعز لأنه شك في أمره فقال : أبك جنون ؟ . ين فلان وفلانففف .
_________ .
( 1 ) البقرة 195