- الإقامة مثل الأذان .
( ثم علم الإقامة مثل ذلك ) أي مثل الأذان الموصوف بالتكرار وفيه دلالة على عدم إفراد الإقامة خلافا لما ذهب إليه الشافعي وتبعه طائفة من أهل السنة والجماعة ( وقال في آخر ذلك ) أي بعد حي على الفلاح فالمراد بآخره ما قرب منه ( قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ) أي مرتين ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله كأذان الناس وإقامتهم ) فيه إشارة إلى أن هذا الموصوف من الأذان والإقامة كان في زمن الصحابة والتابعين الذين هم أفاضل الناس في مقام الاستيناس ( فأقبل الأنصاري ) أي فخرج من مسجده ( فقعد على باب النبي صلى الله عليه وسلّم ) أي ينتظر خروجه E ليذكر له ما رآه في المنام أو يحصل له إذن بالدخول وما يترتب عليه من الكلام ( فمر أبو بكر Bه ) وأراد الدخول إليه صلى الله عليه وسلّم ( فقال ) الأنصاري ( استأذن لي ) أي بالدخول ( وقد رأى ) أي والحال أن أبا بكر أيضا قد رأى ( مثل ذلك ) أي مثل ما رأى الأنصاري في المنام فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلّم ليكون من أن يتيقن في كل مرتبة من مراتب اليقين ( ثم استأذن الأنصاري فدخل فأخبر بالذي رأى فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : قد أخبرنا أبو بكر مثل ذلك ) .
وقد روى أن جماعة من الصحابة تواردوا على ما رأى هنالك ( فأمر بلالا يؤذن بذلك ) .
( وفي رواية : أن رجلا من الأنصار مر برسول الله صلى الله عليه وسلّم فرآه حزينا ) أي محزونا قد ظهر عليه آثاره من كثرة حزنه ( وكان الرجل ذا طعام يغشى ) أي الناس معه ( فانصرف ) أي عن طريق نية انقلب نيته عن أكله لنفور طبيعته ( لما رأى من حزن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي من آثار الحزن على طبيعته فترك طعامه فدخل فوجده يصلي لما ورد أنه صلى الله عليه وسلّم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ولعله مقتبس من قوله تعالى { واستعينوا بالصبر والصلاة } ( 1 ) الآية ( فبينما هو كذلك إذ نعس فأتاه آت في النوم فقال له : أتدري ما حزن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي أتعلم ما سبب حزنه ( قال : لا قال : هو النداء ) أي عدم معرفته لتفسير الأذان من ألفاظ الثناء والدعاء ( فأمره بأن يأمر بلالا قال الرجل فعلمه الأذان ) أي هكذا ( الله أكبر الله أكبر مرتين ) أي باعتبار الجملتين وإلا فباعتبار كل جملة تصير أربع مرات ( أشهد ان لا إله إلا الله مرتين وأشهد أن محمدا رسول الله مرتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله أكبر أي مرة لا إله إلا الله ) أي مرة ( ثم علمه الإقامة كذلك ) أي مرتين ( ثم قال في آخر ذلك ) : أي قريبا من آخره وهو بعد حي على الفلاح ( قد قامت الصلاة مرتين كأذان الناس وإقامتهم ) أي من غير زيادة ولا نقصان ( فانتبه الأنصاري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجلس الباب ) أي باب بيته E ( فجاء أبو بكر فقال له الأنصاري : استأذن لي فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبو بكر بمثل ذلك ) أي بمثل ما رأى الأنصاري لأنه قد رأى كذلك ( ثم دخل الانصاري ) أي بعد الاستيذان ( فأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم بالذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : قد أخبرنا أبو بكر ) هذا نظير قوله E سبق عكاشة ( فقال ) أي النبي صلى الله عليه وسلّم : ( مر بلالا بمثل ذلك ) أي حتى يؤذن الناس في وقت وضع لما هنالك .
والحديث رواه الدارقطني بسند فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : قام رجل من الأنصار عبد الله بن زيد يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إني رأيت في النوم كأن رجلا نزل من السماء عليه بردان أخضران نزل على حائط من المدينة فأذن مثنى ثم جلس قال : علمها بلالا فقال عمر : رأيت مثل الذي ولكنه سبقني .
قال ابن الهمام وعبد الرحمن لم يسمع من معاذ فإنه ولد لست بقين من خلافة عمر فيكون سنه سبع عشرة سنة من الهجرة ومعاذ توفي سنة تسع عشرة من الهجرة أو ثماني عشرة وهذا حجة عندنا بعد ثقة الرواة .
ولأبي داود وابن خزيمة بسند متصل نحوه وقال الترمذي في علله الكبير : سألت محمد بن اسماعيل عن هذا الحديث فقال : هو عندي صحيح .
هذا وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بسند قال في الإمام : رجاله رجال الصحيحين قال : حدثنا أصحاب محمد A أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي A فقال : يا رسول الله إني رأيت في المنام كأن رجلا قام عليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى .
قال الطحاوي : تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى مات وعن إبراهيم النخعي كانت الإقامة مثل الأذان حتى كاد هؤلاء الملوك . فجعلوها واحدة لسرعة إذا أخرجوا يعني بني أمية كما قال أبو الفرج بن الجوزي كان الأذان مثنى مثنى والإقامة كذلك فلما قام بنو أمية أفردوا الإقامة .
واستدل الشافعي على إفرادها في البخاري أن بلالا يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة .
وفي رواية متفق عليها بذكر الاستثناء . فأخذ بها مالك ولا يخفي إنما روينا أقوى فإنه نص على العدد على وجه الحكاية كلمات الأذان فانقطع الاحتمال بالكلية بخلاف أمر أن يوتر الإقامة فإن بعد كون الأمر أهون أمدح فالإقامة اسم لمجموع الذكر والله اعلم .
_________ .
( 1 ) البقرة 45