" المعوقين " المثبطين عن رسول الله A وهم المنافقون : كانوا يقولن " لإخوانهم " من ساكني المدينة من أنصار رسول الله A : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه فخلوهم و " هلم إلينا " أي قربوا أنفسكم إلينا . وهي لغة أهل الحجاز : يسوون فيه بين الواحد والجماعة . وأما تميم فيقولن : هلم يا رجل وهلموا يا رجال وهو صوت سمي به فعل متعد مثل احضر وقرب " قل هلم شهداءكم " الأنعام : 15 " إلا قليلا " إلا اتيانا قليلا يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم ملا تراهم يبارزون ويقالتون إلا شيئا قليلا إذا اضطروا إليه كقوله : " ما قاتلوا إلا قليلا " " أشحة عليكم " في وقت الحرب أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف " ينظرون إليك " في تلك الحالة كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا أو خورا ولو اذا بك ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة : نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير - وهو المال والغنيمة - ونسوا تلك الحالة الأولى واجترؤوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا : وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم وبنا نصرتم عليهم . ونصب " أشحة " على الحال أو على الذم . وقرئ : أشحة بارفع . وصلقوكم بالصاد . فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط ؟ قلت : لا ولكمه تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان إيمان وإن لم يوطئه القلب وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجدي عليه فبين أن إيمانه ليس بإيمانه الصحيح وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس وأنها مما يذهب عند الله هباء منثورا . فإن قلت : ما معنى قوله : " وكان ذلك على الله يسيرا " وكل شئ عليه يسير ؟ قلت : معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط تدعو إليه الدواعي ولا يصرف عنه صارف " يحسبون " أن الحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق إلى المدينة راجعين لما نزل بهم من الخوف الشديد ودخلهم من الجبن المفرط " وإن يأت الأحزاب " كرة ثانية . تمنوا لخوفهم مما منوا به هذه الكرة أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الأعراب " يسئلون " كل قادم منهم من جانب المدينة عن أخباركم وعما جرى عليكم " ولو كانوا فيكم " ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال - لم يقاتلوا إلا تعلة رياء وسمعة . وقرئ : بدي على فعل جمع باد كغاز وغزي . وفي رواية صاحب الإقليد : بدي بوزن عدي . ويساءلون الأعراب كما تقول : رأيت الهلال وتراءيناه : كان عليكم أن تواسلوا رسول الله A بأنفسكم فتواروه وتثبتوا معه كما آساكم بنفسه في الصبر على الجهاد والثبات في مرحى الحرب حتى كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه .
" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " فإن قلت : فما حقيقة قوله : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " . وقرئ : أسوة بالضم ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أنه في نفسه أسوة حسنة أي : قدوة وهو الموتسى به أي : المقتدى به كما تقول : في البيضة عشرون منا حديد أي : هي من نفسها هذا المبلغ من الحديد . والثاني : أن فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها وتتبع . وهي المواساة بنفسه " لمن كان يرجوا الله " بدل من لكم كقوله : " للذين استضعفوا لمن آمن منهم " الأعراف : 75 يرجو أيام الله . واليوم الآخر : من قولك رجوت زيدا وفضله أي : فضل ويد أو يرجو أيام لله . واليوم الآخر خصوصا . والرجاء بمعنى الأمل أو الخوف " وذكر الله كثيرا " وقرن الرجاء بالطاعات الكثيرة والتوفر على الأعمال الصالحة والمؤتسى برسول الله A من كان كذلك .
" ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه في قوله : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم " البقرة : 214 فلما جاء الحزاب وشخص بهم واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد " قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله " وأيقنوا بالجنة والنصر . وعن أبن عباس Bهما قال :