" الأمر " المأمور به من الطابعات والأعمال الصالحة ينزله مدبرا " من السماء إلى الأرض " ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خاصا كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة ؛ لقلة عمال الله والخلص ومن عباده وقلة الأعمال الصاعدة لأنه لآ يوصف بالصعود إلا الخالص ودل عليه قوله على أثره " قليلا ما تشكرون " أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض : لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة كما قال : " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " الحج : 47 ، " ثم يعرج إليه " أي يصير إليه ويثبت عنده ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدة : ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها ثم يدبر أيضا ليوم آخر وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة . وقيل : ينزل الوحي مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض . ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحي أو ردة مع جبريل وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة ؛ لأن المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوب والصعود ؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وهو يوم من أيامكم لسعة جبريل ؛ لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد وقيل : يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة ثم يعرج إليه ذلك الأمر كله ؛ أي يصير إليه ليحكم فيه " في يوم كان مقداره ألف سنة " وهو يوم القيامة . وقرأ ابن أبي عبلة : يعرج على البناء للمفعول . وقرئ : يعدون بالتاء .
" ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون " " أحسن كل شئ " حسنه لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة ؛ فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت من حسن وأحسن كما قال : " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " التين : 4 وقيل : علم كيف يخلقه من قوله : قيمة المرء ما يحسن . وحقيقته . يحسن معرفته أي يعرفه معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإتقان . وقرئ خلقه على البدل أي : أحسن فقد خلق كل شئ . وخلقه : على الوصف أي : كل شئ خلقه فقد أحسنه . سميت الذرية نسلا ؛ لأنها تنسل منه أي : تنفصل منه وتخرج من صلبه ونحوه قولهم للولد : الليل ونجل و " سواه " قومه كقوله تعالى : " في أحسن تقويم " التين : 4 ودل بإضافة الروح إلى ذاته على أنه خلق عجيب لا يعلم كنهه إلا هو كقوله : " ويسألونك عن الروح... . " الآية الإسراء : 85 ، كأنه قال : ونفخ فيه من الشئ الذي اختص هو به وبمعرفته .
" وقافزا أئذا ضللنا في الأرض آوينا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون " " وقالوا " قيل القائل أبي بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم جميعا . وقرئ : ائنا وأنا على الاستفهام وتركه " ضللناه " صرنا ترابا وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن أو غبنا " في الأرض " بالدفن فيها . من قوله : وآب مضلوه بعين جلية