" الم " على أنها اسم السورة مبتدأ خبره " تنزيل الكتاب " وإن جعلتها تعديدا للحروف ارتفع " تنزيل الكتاب " بأنه خبر مبتدأ محذوف : أو هو مبتدأ خبره " لا ريب فيه " والوجه أن يرتفع بالابتداء وخبره " من رب العالمين " و " لا ريب فيه " : اعتراض لا محل له . والضمير في " فيه " راجع إلى مضمون الجملة كأنه قيل : لا ريب في ذلك أي في كونه منزلا من رب العالمين ويشهد لوجاهته قوله " أم يقولن افتراه " لأن قولهم : هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين وكذلك قوله : " بل هو الحق من وبك " وما فيه من تقدير أنه من الله تعالى وهذا أسلوب صحيح محكم : أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين وأن ذلك ما لا ريب فيه ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : " أم يقولون افتراه " لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى : بل والهمزة إنكار لقولهم وتعجيبا منه لظهور أمره : في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك . ونظيره أن يعلل العالم في المسألة بعلة صحيحة جامعة قد احترز فيها أنواع الاحتراز . كقول المتكلمين : النظر أول الأفعال الواجبة على الإطلاق التي لا يعرى عن وجوبها مكلف ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه فيرده بتلخص أنه احتراز من ذلك ثم يعود إلى تقرير كلامه وتمشيه . فإن قلت : كيف نفى أن يرتاب في أنه من الله وقد أثبت ما هو أطم من الريب وهو قولهم : " افتراه " ؟ قلت : معنى " لا ريب فيه " أن لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله : لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك عنه وهو كونه معجزا للبشر ومثله أبعد شئ من الريب . وأما قولهم : " افتراه " فإما قول منعت مع علمه أنه من الله لظهورالإعجاز له أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه : " ما أتاهم من نذير من قبلك " كقوله : " ما أنذر آباؤهم " يس : 6 وذلك أن قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا قبل محمد A . فإن قلت : فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة . قلت : أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم ؛ لأن أدله العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان " لعلهم يهتدون " فيه وجهان : أن يكون على الترجي من رسول الله A كما كان " لعله يتذكر " طه : 44 على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة .
" الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون " فإن قلت : ما معنى قوله : " ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " قلت : هو على معنيين أحدهما : أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليا أي ناصرا ينصركم ولا شفيعا يشفع لكم . والثاني : أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم وشفيعكم أي ناصركم على سبيل المجاز لأن الشفيع ينصر المشفوع له . فهو كقوله تعالى : " وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " القبرة : 107 فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي ولا نصير .
" يدير الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون "