وقرئ : ( ردا ) على التخفيف كما قرئ ( الخب ) " رداء يصدقني " بالرفع والجزم صفة وجواب نحو " وليا يرثني " سواء . فإن قلت : تصديق أخيه ما الفائدة فيه ؟ قلت : ليس الغرض بتصديقه أن يقول له : صدقت أو يقول للناس : صدق موسى وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة فذلك جار مجرى التصديق المفيد كما يصدق القول بالبرهان . ألا ترى إلى قوله : ( وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ) وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك لا لقوله : صدقت فإن سحبان وباقلا يستويان فيه أو يصل جناح كلامه بالبيان حتى يصدقه الذي يخاف تكذبيه فأسند التصديق إلى هرون لأنه السبب فيه إسنادا مجازيا . ومعنى الإسناد المجازي : أن التصديق حقيقة في المصدق فإسناده إليه حقيقة وليس في السبب تصديق ولكن استعير له الإسناد لأنه لابس التصديق بالتسبب كما لابسه الفاعل بالمباشرة . والدليل على هذا الوجه قوله : " إني أخاف أن يكذبون " وقراءة من قرأ : ( ردءا يصدقوني ) . وفيها تقوية للقراءة بجزم يصدقني .
" قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بئاياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " العضد : قوام اليد وبشدتها تشتد . قال طرفة : .
أبني لبيني لستمو بيد ... إلا يدا ليست لها عضد .
ويقال في دعاء الخير : شد الله عضدك . وفي ضده ؛ فت الله في عضك . ومعنى " سنشد عضدك بأخيك " سنقويك به ونعينك فإما أن يكون ذلك لأن اليد تشتد بشدة العضد . والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور . وإما لأن الرجل شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد فجعل كأنه يد مشتدة بعضد شديدة " سلطانا " غلبة وتسلطا . أو حجة واضحة " بئاياتنا " متعلق بنحو ما تعلق به في تسع آيات أي اذهبا بآياتنا . أو بنجعل لكما سلطانا أي : نسلطكما بآياتنا . أو بلا يصلون أي : تمتنعون منهم بآياتنا . أو هو بيان للغالبون لا صلة لامتناع تقدم الصلة على الموصول . ولو تأخر : لم يكن إلا صله له . ويجوز أن يكون قسما جوابه : لا يصلون مقدما عليه . أو من لغو القسم .
" فلما جاءهم موسى بئاياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في ءابائنا الأولين " " سحر مفترى " سحر تعمله أنت ثم تفتريه على الله . أو سحر ظاهر افتراؤه . أو موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر وليس بمعجزة من عند الله " في آياتنا " حال منصوبة عن هذا أي : كائنا في زمانهم وأيامهم يريد : ما حدثنا بكونه فيهم ولا يخلو من أن يكونوا كاذبين في ذلك وقد سمعوا وعلموا بنحوه . أو يريدوا أنهم لم يسمعوا بمثله في فظاعته . أو ما كان الكهان يخبرون بظهور موسى ومجيئه بما جاء به . وهذا دليل على أنهم حجوا وبهتوا وما وجدوا ما يدفعون به ما جاءهم من الآيات إلا قولهم هذا سحر وبداعة لم يسمعوا بمثلها .
" وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "