" من " الأولى والثانية لابتداء الغاية أي : أتاه النداء منشاطئ الوادي من قبل الشجرة و " من الشجرة " بدل من قوله : منشاطئ الوادي بدل الاشتمال ؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ كقوله تعالى : " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم " الزخرف : 33 وقرئ : " البقعة " بالضم والفتح . و " الرهب " بفتحتين وضمتين وفتح وسكون وضم وسكون : وهو الخوف . فإن قلت : ما معنى قوله : " واضمم إليك جناحك من الرهب " ؟ قلت : فيه معنيان أحدهما : أن موسى عليه السلام لما قلب الله العصا حية : فزع واضطرب فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له : إن إتقءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء . فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى . والمراد بالجناح : اليد ؛ لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر . وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى فقد ضم جناحه إليه . والثاني : أن يراد بضم جناحه إليه : تجلده وضبطه نفسه . وتشدده عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعارة من فعل الطائر ؛ لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما . وإلا فجناحاه مضمومتان إليه مشمران . ومنه ما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن كاتبا له كان يكتب بين يديه فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له عمر : خذ قلمك واضمم إليك جناحك وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي . ومعنى قوله : ( من الرهب ) من أجل الرهب أي : إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك : جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه . ومعنى : " واضمم إليك جناحك " وقوله : " اسلك يدك في جيبك " على أحد التفسيرين : واحد . ولكن خولف بين العبارتين وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني : إخفاء الرهب . فإن قلت قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموما وفي الآخر مضموما إليه وذلك قوله : " واضمم إليك جناحك " وقوله : " واضمم يدك إلى جناحك " طه : 22 فما التوفيق بينهما ؟ قلت : المراد بالجناح المضموم . هو اليد اليمنى وبالمضموم إليه : اليد اليسرى وكل واحد من يمنى اليدين ويسراهما : جناح . ومن بدع التفاسير : أن الرهب : الكم بلغة حمير وأنهم يقولون : أعطني مما في رهبك وليت شعري كيف صحته في اللغة ؟ وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضي عربيتهم ؟ ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية ؟ وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل ؟ على أن موسى عليه السلام ما كان علية ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمي لها " فذانك " فرئ مخففا ومشددا فالمخفف مثنى ذاك . والمشدد مثنى ذلك " برهانان " حجتان بينتان نيرتان . فإن قلت : لم سميت الحجة برهانا ؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء . برهرهة بتكرير العين واللام عما . والدليل على زيادة النون قولهم : أبره الرجل إذا جاء بالبرهان . ونظيره تسميتهم إياها سلطانا من السليط وهو الزيت لإنارتها .
" قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون " يقال : ردأته : أعنته . والردء : اسم ما يعان به فعل بمعنى مفعول كما أن الدفء اسم لما يدفأ به . قال سلامة بن جندل : .
وردئي كل أبيض مشرفي ... شحيذ الحد عضب ذي فلول