و " من القالين " أبلغ من أن يقول : إني لعلكم قال : كما تقول : فلان من العملاء فيكون أبلغ من قولك : فلان عالم ؛ لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعرفة مساهمته لهم في العلم . ويجوز أن يريد : من الكاملين في قلاكم . والقلي : البغض الشديد كأنه بغض يقلي الفؤاد والكبد . وفي هذا دليل على عظم المعصية والمراد : القلي من حيث الدين والتقوى وقد تقوى همة الدين في دين الله حتى تقرب كراهته للمعاصي من الكراهة الجبلية " مما يعملون " من عقوبة علمهم وهو الظاهر . ويحتمل أن يريد بالتنجية : العصمة . فإن قلت : فما معنى قوله : " فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا " ؟ قلت : معناه أنه عصمه وأهله من ذلك إلا العجوز فإنها كانت غير معصومة منه لكونها راضية به ومعينة عليه ومحرشة والراضي بالمعصية في حجكم العاصي . فإن قلت : كان أهله مؤمنين ولولا ذلك لما طلب لهم النجاة فكيف اسثنيت الكافرة منهم : قلت الاستثناء إنما وقع من الأهل وفي هذا الأسم لها معهم شركة بحق الزواج وإن لم تشاركهم في الإيمان . فإن قلت : " في الغابرين " صفة لها كأنه قيل : إلا عجوزا غابرة ولم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم قلت : معناه إلا عجوزا مقدرا غبورها . ومعنى الغابرين في العذاب والهلاك : غير الناجين . قيل : إنها هلكن مع من خرج من القرية بما أمطر عليهم من الحجارة . والمراد بتدميرهم : الائتفاك بهم وأما الإمطار : فعن قتادة : أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكم . وعن ابن ويد : لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطرا من حجارة وفاعل " فساء مطر المنذرين " ولم يرد بالمنذرين قوما بأعيانهم إنما هو للجنس والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم .
" كذب أصحاب ليكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعوا يوما أسئلكم عليه من أجر إن أج - ري إلا على رب العالمين " قرئ : أصحاب الأيكة بالهمزة وبتخفيفها وبالجر على افضافة وهو الوجه . ومن قرأ بالنصب وزعم أن ليكة بوزن ليلة : اسم بلد فتوهم قاد إليه خط المصحف حيث وجدت مكتوبة في هذه السورة وفي سورة ص بغير ألف . وفي المصحف أشياء كتبت على خلاف قياس الخط المصطلح عليه وإنما كتبت في هاتين السورتين على حكم لفظ اللافظ كما يكتب أصحاب النحو لان ولوى : على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن ليكو اسم لا يعرف . وروي ن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف . وكان شجرهم الدوم . فإن قلت : هلا قيل : أخوهم شعيب . كما في سائر المواضع ؟ قلت : قالوا : إن شعيبا لم يكن من أصحاب الأيكة . وفي الحديث : أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة .
" أفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين " الكيل على ثلاث أضرب : واف وطفيف وزائد . فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف ولم يذكر الزائد وكأنه تركه عن الأمر والنهي : دليل على أنه إن فعله فقد أحسن وإن لم بفعله فلا عليه . قرئ : بالقسطاس مضموما ومكسورا وهو المسيزان وقيل : القرسطون فإن كان من القسط وهو العدل - وجعلت العين مكررة - فوزنه فعلاس وإلا فهو رباعي . وقيلك وهو بالرومية العدل . يقال : بخسته حقه إذا نقصته إياه . ومنه قيل للمكس : البخس وهو عام في كل حق ثبت لأحد أن لا يهضم وفي كل ملك أن يغضب عليه مالكه ولا يتحيف منه ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفا شرعيا . يقال : عثا في الأرض وعثى وعاث وذلك نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزروع وكانوا يفعلون ذلك مع توليهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك . وقرئ : الجبلة بوزن الأبلة . والجبلة بوزن الخلقة . ومعناهن واحد أي : ذوي الجبلة هو كقولك : الخلق الأولين .
" قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين "