" قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيزي الرحيم " فإن قلت : لو قيل : " أوعظت " أو لم تعظ كان أخصر . والمعنى واحد . قلت : ليس المعنى بواحد وبينهما فرق لأن المراد : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أو لم تكن أصلا من أهله ومباشريه فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك : أم لم تعظ . من قرأ : خلق ألأولين بالفتح فمعناه : أن ما جئت به اختلاق الأولين وتخرصهم كما قالوا : أساطير الأولين . أو ما خلقنا هذا إلا خلق القرون الخالية نحيا كما حيوا ونموت كما ماتة ولا بعث ولا حساب . ومن قرأ : خلق بضمتين وبواحدة فمعناه . ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم كانوا يدينونه ويعتقدونه ونحن بهم مقتدون . أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة واموت إلا عادة لم يزل عليها الناس في قديم الدهر أو هذا او ما هذا الذي جئت به من الكذب إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله ويسطرونه .
" كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعو وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون في ما هاهناءامنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين بفسدون في الأرض ولا يصلحون " " أتتركون " يجوز أن يكون إنكارا لآن يتركوا مخلدين في نعيم لا يزالون عنه وأن يكون تذكيرا بالنعمة في تخلية الله إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات وغير ذلك مع ألأمن والدعة " في ما هاهنا " في الذي استقر في هذا المكان من النعيم ثم فسره بقوله : " في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل . فإن قلت : لم قال " ونخل ونخل طلعها هضيم " وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل . فإن قلت : لم قال " ونخل " بعد قوله : في جنات والجنة تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى أنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخيل ؛ كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل . قال زهير : تقي جنة سحقا قلت : فيه وجهان : أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر ؛ تنبيها على انفراده عنها بفضله عليها وأن يريد بالجنات : غيرها من الشجر ؛ لأن اللفظ يصلح لذل ثم يعطف عليها النخل . الطليعة : هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو . والقنوت : اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه . والهضيم : الليطف الشامر من قولهم : كشح هضيم وطلع إناث النخل فيه لطف وفي طلع الفاحيل جفاء وكذلك طلع البرني ألطف من طلع اللون فذكرهم نعمة الله في أن وهب لهم أجود النخل وأنفعه . لأن الإناث ولادة التمر والبرني : أجود التمر وأطيبه ويجوز أن يريد أن مخيلهم أصابت جودة المنابت وسعة الماء وسلمت من العاهات فحملت الحمل الكثير وإذا كثر الحمل هضم وإذا قل جاء فاخرا . وقيل : الهضيم : اللين النضيج كأنه قال : ونخل قد أرطب ثمره . قرأ الحسن : وتنحتون بفتح الحاء . وقرئ : فرهين . الفراهة : الكيس وانشاط . ومنه : خيل فرهة استعير لامتثال الأمر وارتسامه طاعة الآمر المطاع . أو جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي والمراد الآمر . ومنه قولهم : لك علي إمرة مطاعة . وقوله تعالى : " وأطيعوا أمري " طه : 90 . فإن قلت : ما فائدة قوله : " ولا يصلحون " ؟ قلت : فائدته أن فسادهم فساد مصمت ليس معه شيء من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح .
" قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشرا مثلنا فأت بءاية إن كنت من الصادقين " المسحر : الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله . وقيل : هو من السحر الرئة وأنه بشر .
" قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم "