" وما علمي " وأي شيء علمي ؟ والمراد : انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم لله واطلاعه على سر أمرهم وباطنه . وإنما قال ذا لأنهم قد طعنوا - مع استرذالهم - في إيمانهم وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة وإنما آمنوا هوى وبديهة كما حكى الله عنهم في قوله : " الذين عن أرذلنا بادي الرأي " هود : 27 ويجوز أن يتغابى لهم من نوح عليه السلام . فيفسر قولهم الأرذلين بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم ثم يبني جوابه على ذلك فيقول : ما علي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم وإن كان لهم عمل سيء فالله محاسبهم ومجازيهم عليه وما أنا إلا منذر لا محاسب ولا مجاز " لو تشعرون " ذلك ولكنكم تجهلون فتنساقون مع الجهل حيث سيركم وقصد بذلك رد اعتقادهم وإنكار أن يسمى المؤمن رذلا وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا فإن الغني غني الدين والنسب نسب التقوى " وما أنا يطارد المؤمنين " يريد ليس من شأني أن أتبع شهواتكم وأطيب تفوسكم بطرد المؤمنين الذين صح إيمانهم طعما في إيمانكم وما علي إلا أن أنذركم إنذارا بينا بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم .
" قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المجرمين قال رب إن قومي كذبون فافتح بينى وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ليس هذا بإخبار بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لما غاظوني وآذوني وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوني في وحيك ورسالتك فاحكم " بيني وبينهم " والفتاحة : الحكومة . والفتاح : الحاكم لأنه يفتح المستغلق كما سمي فيصلا لأنه يفصل بين الخصومات . الفلك : السفينة وجمعه فلك : قال الله تعالى : " وترى الفلك فيه مواخر " النحل : 14 ؛ فالواحد بوزن قفل والجمع بوزن أسد كسروا فعلا على فعل كما كسروا فعلا على فعل لأنهما أخوان في قولك : العرب والعرب والرشد والرشد . فقالوا : أسد وأسد وفلك وفلك . ونظيره : بعير هجان وإبل هجان ودرع جلاص ودروع دلاص فالواحد بوزن كناز والجمع بوزن كرام . والمشحون : المملوء . يقال : شحنها عليهم خيلا ورجالا .
" كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ربع ءاية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون " قرئ : بكل ريع بالكسر والفتح : وهو المكان المرتفع . قال المسيب بن عباس : .
في الآل يرفعها ويخفضها ... ريع يلوح كأنه سحل .
ومنه قولهم : كم ريع أرضك ؟ وهو ارتفاعها . والآية العلم وكانوا ممن يهتدون بالنجوم في أسفارهم . فاتخذوا في طريقهم أعلاما طوالا فعبثوا بذلك لأنهم كانوا مستغنين عنها بالنجوم . وعن مجاهد : بنو بكل ريع بروج الحمام . والمصانع : مآخذ الماء وقيل : القصور المشيدة والحصون " لعلكم تخلدون " ترجون الخلود في الدنيا . أو تشبه حالكم حال من يخلد . وفي حرف أبي : كأنكم . وقرئ : تخلدون بضم التاء مخففا ومشددا " وإذا بطشتم " بسوط أو سيف كان ذلك ظلما وعلوا وقيل : الجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب . وعن الحسن : تبادرون تعجيل العذاب لا تتثبتون متفكرين في العواقب .
" واتقوا الذين أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون وإني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " بالغ في تنبيههم على نعم الله حيث أجملها ثم فصلها مستشهدا بعلمهم وذلك أنه أيقظهم عن سنة غفلتهم عنها حين قال : : " أمدكم بما تعلمون " ثم عددها عليهم وغرفهم المنعم بتعديد ما يعلمون من نعمته وأنه كما قدر أن يتفضل عليكم بهذه النعمة فهو قادر على الثواب والعقاب فاتقوه . ونحوه قوله تعالى : " ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد " آل عمران : 30 . فإن قلت : كيف قرن البنين بالأنعام ؟ قلت : هم الذين بعيونهم على حفظها والقيام عليها