يجوز أن ينطق الله الاصنام حتى يصح التقاول والتخاصم ويجوز أن يجري ذلك بين العصاة والشياطين . والمراد بالمجرمين الذين أضلوهم : رؤساؤهم وكبراؤهم كقوله : " ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرإنا فإضلونا السبيلا " الاحزاب : 76 وعن السدي : الاولون الذين اقتدينا بهم . وعن ابن جريج : إبليس وابن آدم القاتل لانه أول من سن القتل وأنواع المعاصي " فما لنا من شفعين " كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين " ولا صديق " كما نرى لهم أصدقاء لانه لا يتصادق في الاخرة الا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادي والتباغض قال الله تعالى : " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين " الزخرف : 76 أو : فمالنا من شافعين ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس . أو أرادوا أنهم وقعوا في مهلكة علموا أن الشفعاء والأصدقاء لا ينفعونهم ولا يدفعون عنهم فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع ؛ لأن ما لا ينفع : حكمه حكم المعدوم . والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام وهو الذي يهمه ما يهمك . أو من الحامة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص . فإن قلت : لم جمع الشافع ووحد الصديق ؟ قلت : لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق . ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته رحمة له وحسبه وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة . وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك - فأعز من بيض الأنوق . وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال : اسم لا معنى له . ويجوز أن يريد بالصديق : الجمع . الكرة الرجعة إلى الدنيا . ولو في مثل هذا الموضع في معنى التمني كأنه قيل : فليت لنا كرة . وذلك لما بين معنى لو وليت من التلاقي في التقدير . ويجوز أن تكون على أصلها ويحذف الجواب وهو : لفعلنا كيت وكيت .
" كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقونن إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعوا " القوم : مؤنثة وتصغيرها قويمة . ونظير قوله : " المرسلين " والمراد نوح عليه السلام : قولك : فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة وبرد . قيل : أخوهم ؛ لأنه كان منهم من قول العرب : يا أخا بني تميم يريدون : يا واحدا منهم . ومنه بيت الحماسة : .
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا .
كان أمينا فيهم مشهورا بالأمانة كمحمد A في قريش " وأطيعوا " في نصحي لكم وفيما أدعوكم إليه من الحق " عليه " على الأمر وعلى ما أنا فيه يعني : دعاءه ونصحه ومعنى : " فاتقة الله وأطيعون " فاتقوا الله في طاعتي وكرره ليؤكده عليهم ويقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحدة منهما بعلة جعل علة الأول كونه أمينا فيما بينهم وفي الثاني حسم طعمه عنهم .
" قالوا أتؤمن لك وأتبعك الأرذلون " وقرئ : وأتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد . أو جمع تبع كبطل وأبطال . والواو للحال . وحقها أن يضمير بعدها قد في : واتبعك . وقد جمع الأرذل على الصحة وعلى التكسير في قوله : " الذين هم أرذلنا " هود : 27 والرذالة والنذالة : الخسة والدناءة . وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا . وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنية كالحياكة والحجامة . والصناعة لا تزري بالديانة وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول الله A وما زالت أتباع الأنبياء كذلك . وعن ابن عباس Bهما : هم الغاغة . وعن عكرمة : الحاكة والآساكفة . وعن مقاتل : السفلة .
" قال وما علمي بما كانوا يعلمون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين "