وما ثاوبه إلا السيف . وبيانه أن يقال لك : هل لزيد مال وبنون ؟ فتقول : ماله وبنوه : سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك . وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ؛ لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا . ولا بد لك مع ذلكم من تقدير المضاف وهو الحال والمراد بها سلامة القلب وليست هي من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان وإنما ينفع سلامة القلب . ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى . وقد جعل " من " مفعولا لينفع أي " لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع . ويجوز على هذا " إلا من أتى الله بقلب سليم " من فتنة المال والبنين . ومعنى سلامة القلب : سلامته من آفات الكفر والمعاصي ومما أكرم الله تعالى به خليله ونبه على جلاله محله في الإخلاص : أن حكى استثناءه هذا حكاية راض بإصابته فيه . ثم جعله صفة له في قوله : " وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم " الصفات : 84 ومن بدع التفاسير : تفسير بعضهم السليم باللديغ من خشية الله . وقل آخر : هو الذي سلم وسلم وأسلم وسالم واستسلم . وما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السم كلامه مع المشركين حين سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع على تقليهم آباءهم الأقدمين فكسره وأخرجه من أن يكون شبية فضلا أن يكون حجة ثم صور المسألة في نفسه دونهم حى تخلص منها إلى ذكر الله عز وعلا فعظم شأنه وعدد نعمته من لدن خلقه وإنشائه إلى حينوفاته مع ما يرجى في الآخرة من رحمته يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمنى الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا .
" وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاون وجنود غبليس أجمعون " الجنة تكون قريب من موقف السعداء ينظرون إليها ويغتبطون بأنهم المحشورون إليها والنار تكون بارزة مكشوفة للأشقياء بمرأى منهم يتحسرون على أنهم المسوقون إليها : قال الله تعالى : " وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد " ق : 31 وقال : " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " الملك : 27 : يجمع عليهم الغموم كلها والحسرات فتجعل النار بمرأى منهم فيهلكون غما في كل لحظة ويوبخون على إشراكهم فيقال لهم : أين آلهتكم ؟ هل ينفعونكم بن بنصرتهم لكم . أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم : لأنهم وآلهتهم وقود النار وهو قوله : " فكبكبوا فيها هم " أي الآلهة " والغاون " وعبدتهم الذين برزت لهم الجحيم . والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقى في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها اللهم أجرنا منها يا خبر مستجار " وجنود إبليس " شياطينه أو متبعوه من عصاة الجن والإنس .
" قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفى ضلال مبين اذ نسويكم برب العلمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شفعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين أن فى ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم "